أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
والذي يفوته الحج لا يلبي قبل دخوله مكة حتى يرى عروشها في قول الذين يوجبون ذلك على المعتمر . ولا يلبي بعد دخول مكة حتى يستلم الحجر في قول الذين يوجبون ذلك على المعتمر . أولا ترى أن من كان في الحرم ، فأراد أن يحرم بعمرة أمر أن يخرج بها إلى الحل حلالا فيحرم بها مما هناك ، ثم يدخل إلى الحرم في حرمتها ، وهذا الذي فاته الحج ليس كذلك . لأنه لو صار إلى الحرم بعد فوات الحج إياه لم يؤمر بالخروج منه إلى الحل حتى يلبي منه بالعمرة كما يفعل المعتمر ، ولكنه يؤمر أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ، ويحلق فيحل ، ويكون عليه مع ذلك ما استيسر من الهدي في قول الطائفة التي توجب ذلك عليه . فدل ما ذكرنا أن الذي فاته الحج قد فاتته أعمال الحج من الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ، ومن الإقامة بمنى وبعرفة ، وبالمزدلفة . وذلك فيما إذا فات لم يقض لأنه محصور بوقت معلوم ولم يطلق للناس أن يفعلوه إلا في وقته ذلك . وفي الحج أشياء سوى ذلك مما لم تحصر بأوقات معلومة وهي الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة . فأمر الذي فاته الحج بأن يفعل من الحج ما لا وقت له معلوم ، ثم يحلق فيحل بذلك ، ولم يؤمر أن يفعل ما فاته وقته حتى يحرم بالحج عاملا قائلا فيفعل فيه ما قد فاته في حجه الأول مما لا يصلح له أن يفعله إلا وهو حرام . وأمر مع ذلك بأن يأتي بتمام الحج . لأن من دخل في الحج لم يصلح له الخروج منه إلا مثل ما يخرج به الخارج من .

[ ص: 22 ] الأسباب التي أمر أن يأتي بها ، وأن لا يقصر عنها في الحج وقد ذكرنا تأويل قوله عز وجل :

( فمن فرض فيهن الحج ) ، وإن ذلك الفرض هو الإيجاب للحج بالدخول فيه .

ولم يبين لنا عز وجل في كتابه كيف ذلك الدخول ؟ وقد روي في تأويل ذلك عن إبراهيم وعطاء ما :

1139 - قد حدثنا أبو شريح محمد بن زكريا ، قال حدثنا الفريابي ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : ( فمن فرض فيهن الحج ) قال : من أحرم فيهن .

1140 - وما قد حدثنا محمد بن زكرياء ، قال حدثنا الفريابي ، عن سفيان عن العلاء بن المسيب ، عن عطاء : ( فمن فرض فيهن الحج ) قال : التلبية .

ووجدنا أهل العلم جميعا على هذا التأويل ، وعلى أنهم يأمرون من أراد الدخول في الحج أن يلبي له فيدخل فيه بالتلبية ، كما يأمرون من أراد الدخول في الحج لصلاة بالتكبير لها حتى يدخل به فيها . وكانت التلبية التي يأمرونه بها قد روي لنا فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما :

1141 - قد حدثنا ابن أبي داود ، قال حدثنا المقدمي ، قال حدثنا حماد بن زيد ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن زيد ، عن عبد الله ، قال : كان تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك .

1142 - وما قد حدثنا فهد ، قال حدثنا الحسن بن الربيع ، قال حدثنا أبو الأحوص ، عن الأعمش ، عن عمارة ، عن أبي عطية ، قال قالت عائشة رضي الله عنها : إني لأحفظ كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي فذكرت مثله سواء .

1143 - وما قد حدثنا أحمد بن الحسن الكوفي ، قال حدثنا عبيدة بن حميد النحوي ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : تلقيت التلبية من رسول الله صلى الله عليه وسلم : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك .

[ ص: 23 ]
1144 - وما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج بن المنهال ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، قال أخبرنا أيوب وعبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت كذلك .

1145 - وما قد حدثنا يونس ، قال حدثنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره عن نافع ، عن ابن عمر : أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت كذلك .

1146 - وما قد حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال حدثنا أسد ، قال حدثنا حاتم بن إسماعيل المديني ، قال حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبى في حجه كذلك .

1147 - وما قد حدثنا محمد بن خزيمة وفهد ، قالا حدثنا عبد الله بن صالح ، قال حدثني الليث ، عن ابن الهاد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بذلك أيضا .

1148 - وما قد حدثنا أبو أمية قال حدثنا منصور بن سلمة الخزاعي ، قال حدثنا الليث بن سعد فذكر بإسناده مثله .

1149 - وما قد حدثنا أبو أمية ومحمد بن علي بن داود جميعا ، قالا حدثنا محمد بن زياد بن زياد الكوفي الكلبي ، قال حدثنا سرفي بن قطامي ، قال حدثنا أبو طلق العائذي ، قال : سمعت شراحيل بن القعقاع يقول : سمعت عمرو بن معدي كرب يقول : لقد رأيتنا منذ قريب ، ونحن إذا حججنا نقول :


لبيك تعظيما إليك عذرا هذه زبيد قد أتتك قسرا     تغدو بها مضمنات شزرا
يقطعن حينا وحبالا وعرا


قد خلفوا الأنداد خلوا صفرا



[ ص: 24 ] ونحن اليوم نقول كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : قلت ، وكيف علمكم ؟ فذكر التلبية
على ما في حديث ابن عمر وجابر سواء .

فكانت هذه التلبية التي رويناها عن ابن مسعود ، وعائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة في التلبية التي رويناها عن ابن عمر وجابر ، وعن عمرو بن معدي كرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهي التلبية التي عليها عامة أهل العلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية