أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وقد ذكرنا فيما تقدم منا من كتابنا هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التلبية للحج ، وأن تأويل قول الله عز وجل : ( فمن فرض فيهن الحج ) هو التلبية . ولم يذكر مع ذلك الموضع الذي تبتدئ فيه التلبية حتى يدخل بها في الحج . وقد رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك آثار مختلف فيها . فمنها ما :

1163 - قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا وهب بن جرير ، قال حدثنا شعبة عن قتادة ، عن أبي حسان ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذي الحليفة ثم أتى براحلته فركبها ، فلما استوت به على البيداء أهل .

ومنها ما :

1164 - قد حدثنا الربيع المرادي ، قال حدثنا أسد ، قال حدثنا حاتم بن إسماعيل ، قال حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، ركب ناقته القصواء ، فلما استوت به على البيداء أهل .

فكان الذي في هذين الحديثين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل من البيداء ، ولا يمنع ذلك عندنا أن يكون قد أهل بالحج قبل ذلك .

[ ص: 30 ] ومنها ما :

1165 - قد حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا القعنبي ، قال : قرأت على مالك ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم ، عن أبيه قال : بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد .

يعني مسجد ذي الحليفة . ومنها ما :

1166 - قد حدثنا يونس ، قال حدثنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره عن موسى بن عقبة ، فذكر بإسناده مثله .

1167 - قد حدثنا نصر بن مرزوق ، قال حدثنا الخصيب بن ناصح الحارثي ، قال حدثنا وهيب بن خالد ، عن موسى بن عقبة ، فذكر بإسناده مثله .

وكان الذي في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل من عند المسجد مسجد ذي الحليفة . وذلك قبل أن تستوي به راحلته على البيداء . فزاد في التقدم للإحرام بالحج على ما في الحديثين الأولين . ولا يمنع ذلك أن يكون قد كان أهل بالحج قبل ذلك . ومنها ما :

1168 - قد حدثنا إسماعيل بن إسحاق بن سهل الكوفي إملاء ، قال حدثنا أبو نعيم ، قال حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبير ، قال لي ، قيل لابن عباس : كيف اختلف الناس في إهلال النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت طائفة : أهل في مصلاه . وقالت طائفة : حين استوت به راحلته . وقالت طائفة : حين علا على البيداء .

فقال : سأخبركم عن ذلك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل في مصلاه ، فشهده قوم فأخبروا بذلك . فلما استوت به راحلته أهل ، فشهده قوم لم يشهدوه في المرة .

[ ص: 31 ] الأولى فقالوا : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة ، فأخبروا بذلك فلما علا البيداء أهل ، فشهده قوم لم يشهدوه في المرتين الأوليين فقالوا : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة ، فأخبروا بذلك ، وإنما كان إهلال النبي صلى الله عليه وسلم في مصلاه .

فكان الذي في هذا الحديث قد أنبأنا عن المواضع التي منها جاء الاختلاف في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج أين كان ؟ وإن إهلاله الذي دخل به في الحج إنما كان في دبر الصلاة التي صلاها للإحرام ، وإن ما سواه من إهلاله للحج بعد ذلك إنما كان بعد دخوله في الحج بإهلاله المتقدم في دبر الصلاة . واكتفينا بهذا الحديث عن ذكر ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لبى بحجه حين استوت به راحلته . وما روي عنه أنه لبى به صلى الله عليه وسلم حين انبعثت به راحلته .

وهكذا كان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد يستحبون لمن أراد التلبية بالحج أن يكون يلبي بها في مصلاه الذي يصلي فيه الصلاة للإحرام حدثنا بذلك من قولهم سليمان بن شعيب عن أبيه عن محمد . ولم يحك فيه خلافا بينه وبين أحد من أصحابه .

وكان عبد الله بن عباس لما علم بعدم إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم الوقت الذي علم غيره إحرامه فيه أولى . لأن من علم شيئا أولى به ممن لم يعلمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية