أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وقد ذكرنا إباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل الغراب في الحرم والإحرام ، ولم يذكر في تلك الأحاديث التي روينا في ذلك ، أي غراب هو ؟ غير انا وجدنا عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قصد في ذلك إلى الغراب الأبقع .

[ ص: 61 ] 1242 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، قال حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن ابن المسيب ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : خمس من الدواب يقتلهن المحرم ؛ الغراب الأبقع ، والحدأ ، والفأرة ، والعقرب ، والكلب العقور .

فكان هذا الحديث زائدا على ما سواه من الأحاديث التي رويناها في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الطي ، ومخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد من الغربان الأبقع منها خاصة ، لا ما سواه منها ، إذ كان الأبقع منها هو الذي يفعل ما فيه الضرر على بني آدم في طعامهم ، وفيما سوى ذلك من مصالحهم كما تفعل الحدأ ، وكان ما سوى الأبقع منها ، وهو الذي يسمى واحده الزاع ، لا يفعل من ذلك شيئا .

وكذا كان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد يقولون في المباح قتله من الغربان في هذا الحديث ، أنه الأبقع منها خاصة ، لا ما سواه منها .

وقد اختلف أهل العلم ، ممن يذهب إلى تحريم قتل السباع في الإحراء في المحرم يبتدئه السبع فيقتله ، فكان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، فيما حدثنا محمد بن العباس ، عن علي بن معبد ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة ، وعن محمد ، عن أبي يوسف ، وعن علي عن محمد ، يقولون لا شيء عليه في قتله إياه وكانوا يقولون : إن قتله المحرم ابتداء منه إياه فعليه قيمته ، ولا يجاوز بها دم .

وذكر لنا محمد بن العباس ، عن يحيى بن سليمان ، عن الحسن بن زياد ، عن زفر ، أنه قال : عليه الجزاء في الوجهين جميعا .

ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما اختلفوا فيه منه ، وهل تسقط الكفارات عن المحرمين في قتل الصيد بالضرورات كما قال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد أم لا ؟ فرأينا [ ص: 62 ] الله عز وجل قد حرم على المحرم حلق الرأس ، ثم أباحه في الضرورة ، وجعل عليه مع ذلك الكفارة التي ذكرها في كتابه بقوله عز وجل : ( ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) وأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عجرة الأنصاري ، وخيره فيها بين أصنافها المسماة فيها وسنذكر ذلك في مواضعه في كتابنا هذا إن شاء الله .

فكان في هذه الضرورة التي أبيح للمحرم من أجلها حلق الرأس الذي كان محرما عليه قبلها ، سقوط الإثم عنه بالضرورة ، لا سقوط الكفارة ، فكان القياس على ذلك أن يكون كذلك سائر ما حرم على المحرم في إحرامه ، وأبيح له لضرورة حدثت أن تكون تلك الضرورة ترفع الإثم عنه ، ولا تسقط عنه الكفارة ، فثبت بذلك ما قال زفر ، وانتفى به ما قال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد .

وحجة أخرى في ذلك يجب بها ما قال زفر في هذا الباب ، وهي إنا وجدناهم لا يختلفون في المحرم ينقلب في نومه على صيد فيقتله : إن عليه الجزاء ، والآثام ساقطة عنه فيما أصاب في نومه ، والقلم مرفوع عنه فيه ، ولم يرفع ذلك عنه الجزاء ، بل جعل فيما أصاب من ذلك في نومه في حكم ما أصابه منه في يقظته ، فالقياس على ذلك أن يكون كل من أصاب شيئا على حال الضرورة وهو في إحرام أو في حرم ، أن يكون في وجوب الكفارة عليه في ذلك في حكمه لو أصابه على غير ضرورة ، وأن تكون الضرورات ترفع الآثام ، ولا تسقط الكفارات .

التالي السابق


الخدمات العلمية