أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
فإن قال قائل : فقد روي عن عائشة ، أنها قالت : إن عبد الله بن عمر قد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن مع حجته عمرة ، وذكر في ذلك ما :

1259 - قد حدثنا فهد ، قال حدثنا النفيلي ، قال حدثنا زهير بن معاوية ، قال حدثنا أبو إسحاق ، عن مجاهد ، قال : سئل ابن عمر : كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : مرتين فقالت عائشة : قد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثا سوى عمرته التي قرنها بحجته .

[ ص: 71 ] قيل له : وهذا أيضا عندنا غير مخالف لحديثي سالم وبكر اللذين رويناهما عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تحول حجه إلى العمرة لم يخرج من العمرة ، لأنه قد كان ساق الهدي لها ، ثم أدخل عليها الحجة ، فصار قارنا لأنه قد اجتمع له إحرامه بالعمرة وإحرامه بالحج ، فصار بذلك قارنا ، وكان متمتعا للمعنى الأول الذي ذكرناه ، وكان مفردا في الإحرام بالحجة للمعنى الذي ذكرناه في ذلك ومنهم أسماء ابنة أبي بكر ، قد روي عنها في ذلك ما :

1260 - قد حدثنا نصر بن مرزوق ، قال حدثنا الخصيب بن ناصح الحارثي ، قال حدثنا وهيب بن خالد ، عن منصور بن عبد الرحمن ، عن أمه ، عن أسماء ابنة أبي بكر ، قالت : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مهلين بالحج ، وكان مع الزبير الهدي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : من لم يكن معه الهدي فليحلل قالت : فلم يكن معي يومئذ هدي ، فأحللت .

فهذه أسماء تخبر في حديثها هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدموا مكة في حرمة حجة ، لا في حرمة عمرة ، غير أنها لم تخبر في حديثها هذا بوقت طوافهم ، هل كان في الحجة أو بعد فسخ الحجة ؟ .

ومنهم عمران بن حصين ، فقد روي عنه في ذلك ما :

1261 - حدثنا سليمان بن شعيب ، قال حدثنا الخصيب ، قال حدثنا همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن مطرف بن عبد الله ، عن عمران بن حصين ، قال : تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل فيها القرآن ، ولم ينهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم ينسخها شيء ثم قال رجل برأيه ما شاء .

[ ص: 72 ] 1262 - وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا حماد ، عن حميد ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين ، قال : تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم متعة الحج ، فلم ينهنا عنها ، ولم ينزل الله عز وجل فيها نهيا .

فهذا الحديث عندنا خلاف الأحاديث التي رويناها قبله في هذا الباب ، لأن الذي في حديث مطرف ، عن عمران : تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل فيها القرآن ، فقد يجوز أن يكون قوله : تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يريد : تمتعنا ونحن في صحبته وهو حي ، وليس على أنه كان معهم ، ولا على أنه تمتع مثل متعتهم تلك ، فيكون ذلك الحديث كحديث علي وسعد اللذين ذكرناهما في هذا الباب ، وقد دل على هذا التأويل ما روى الحسن ، عن عمران : تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يحقق بذلك أن ذلك التمتع كان في حجة الوداع أو فيما قبلها .

ومنهم أنس بن مالك ، فروي عنه في ذلك ما :

1263 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا حبان بن هلال ، قال حدثنا وهيب ، قال حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا ، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين ، وبات بها حتى أصبح ، فلما صلى الصبح ركب راحلته ، فلما انبعثت به سبح وكبر حتى إذا استوت به على البيداء جمع بينهما ، فلما قدمنا مكة أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلوا ، فلما كان يوم التروية أهلوا بالحج .

فهذا أنس يخبر في حديثه هذا أنهم قدموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في حرمة حجة ، لا في حرمة عمرة ، غير أنه لم يذكر أنهم كانوا طافوا قبل عرفة في حرمة الحجة ، ولا في حرمة العمرة .

ومنهم معقل بن يسار ، فقد روي عنه في ذلك ما :

[ ص: 73 ] 1264 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا مكي بن إبراهيم ، قال حدثنا عبد الله بن أبي حميد ، عن أبي مليح ، عن معقل بن يسار ، قال : حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجدنا عائشة تنزع ثيابها ، فقال لها : مالك قالت : أنبئت أنك قد أحللت وأحللت أهلك فقال : أجل ، من ليس معه هدي ، فأما نحن فلم نحلل لأن معنا الهدي حتى يبلغ عرفات .

فهذا معقل يخبر في حديثه هذا أنهم كانوا حجاجا ، ولم يذكر الطواف بشيء .

ومنهم جابر بن عبد الله ، فقد روي عنه في ذلك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قد قدمنا ذكره في هذا الباب في حديث محمد بن علي بن حسين ، ومنه ما :

1265 - قد حدثنا سليمان بن شعيب ، قال حدثنا الخصيب ، قال حدثنا همام ، عن قتادة ، عن أبي نضرة ، عن جابر ، قال : تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما ولي عمر خطب الناس ، فقال : إن القرآن هو القرآن ، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرسول ، وإنهما كانتا متعتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : متعة الحج ، فافصلوا بين حجكم وعمرتكم ، فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم .

والأخرى متعة النساء ، فأنهى عنها ، وأعاقب عليها .

فهذا جابر قد أخبر بتمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب وليس ذلك بمخالف عندنا لما رواه عنه محمد بن علي بن حسين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج خالصا ، لأنه قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج خالصا على ما في حديث محمد بن علي بن حسين ، ثم لما قدم مكة فسخه بعمرة ، ثم أنشأ بعده حجة من مكة ، فصار في بدء إحرامه مفردا للإحرام بالحج على ما رواه محمد بن علي ، وصار في آخر إحرامه متمتعا بالعمرة إلى الحج على ما رواه أبو نضرة في حديثه هذا .

[ ص: 74 ] ومنهم عائشة ، فقد روي عنها في هذا الباب من حديث الأسود بن يزيد ، أنها قالت : خرجنا ، ولا نرى إلا أنه الحج ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة طاف ولم يحل ، وكان معه الهدي ، وطاف من معه من نسائه وأصحابه ، وحل منهم من لم يكن معه الهدي ففي هذا الحديث أنهم قدموا مكة بإحرام تروية الحج بلا حقيقة منهم أنه كذلك وأما القاسم بن محمد فقد روى عنها في ذلك أنهم لم يكونوا يذكرون إلا الحج كما :

1266 - حدثنا فهد ، قال حدثنا أبو نعيم ، قال حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نذكر إلا الحج ، فلما جئنا بسرف طمثت فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : لوددت أني لم أحج العام أو لم أخرج العام قال : لعلك نفست ؟ قلت : نعم قال : فإن هذا أمر كتبه الله عز وجل على بنات آدم ، افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت قالت : فلما جئنا مكة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : اجعلوها عمرة ، فحل الناس إلا من كان معه الهدي ، وكان الهدي معه ومع أبي بكر وعمر وذي اليسارة ، ثم أهلوا بالحج ، فلما كان يوم النحر طهرت ، فأرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأفضت ، فأتي بلحم بقر ، فقلت : ما هذا ؟ فقالوا : أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر ، حتى إذا كانت ليلة الحصبة ، قلت : يا رسول الله ، أيرجع الراجع من حجة وعمرة وأرجع بعمرة ؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني خلفه ، فإني لأذكر أني كنت أنعس ، فيضرب وجهي مؤخرة الرحل حتى جئنا التنعيم ، فأهللت بعمرة جزاء عمرة الناس التي اعتمروا .

[ ص: 75 ] 1267 - وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، قال حدثنا عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : لبينا بالحج حتى إذا كنت بسرف حضت ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي ، فقال : ما يبكيك يا عائشة ؟ قلت : حضت ، ليتني لم أكن حججت يا رسول الله! قال : سبحان الله! إنما هو شيء كتبه الله عز وجل على بنات آدم ، انسكي المناسك كلها غير أن لا تطوفي بالبيت ، فلما دخلنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها ، إلا من كان معه الهدي . قالت : فذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر يوم النحر ، فلما كانت ليلة الحصبة ، وطهرت عائشة ، قالت : يا رسول الله ، أيرجع صواحبي بحج وعمرة ؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر ، فذهب بي إلى التنعيم ، فلبيت بالعمرة .

1268 - وكما حدثنا يونس ، قال أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، ومالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، أنها قالت : قدمت مكة وأنا حائض ، ولم أطف بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري .

هكذا حدثنا يونس ، عن ابن وهب بحديث عمرو هذا مختصر ، هكذا كما ذكرنا .

وأما عبيد بن محمد البزار ، فحدثنا ، قال :

1269 - حدثنا أحمد بن صالح ، قال حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، أن عبد الرحمن بن القاسم ، حدثه ، أنه سمع القاسم بن محمد ، يخبر ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجا ، [ ص: 76 ] فلما قدمنا سرف حضت ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي ، فقال : مالك ؟ فقالت : ليتني لم أحج العام ؟ قال : مالك ؟ قلت : حضت قال : شيء كتبه الله عز وجل على بنات آدم ، فاصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت .

فلما قدمنا مكة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : اجعلوها عمرة ، ففعلوا ، فمن لم يسق هديا حل ، وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بقرا ، وطهرت ، فأعمرها من التنعيم ، فأردفني وراءه ، فأهللت من التنعيم ، فطفت ، وسعيت ، ثم رجعنا إليه .


1270 - وكما حدثنا يوسف بن يزيد ، قال حدثنا ابن أبي مريم ، قال حدثنا محمد بن مسلم الطائفي ، قال أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، أن عائشة ، قالت : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم للحج ، فحضت بسرف فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي ، فقال : ما شأنك ؟ قلت : حضت قال : إن الله عز وجل جعل ذلك على بنات آدم ، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، قال : اجعليها عمرة ، فإني لولا هديي حللت وأمرهم فحلوا ، وكان منهم رجال ذو يسارة ، وكان معهم الهدي ، فلم يحلوا ، ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بقرة ، .

وطهرت يوم النحر ، فلما أصدر أمر عبد الرحمن بن أبي بكر ، فأردفني على جمله ، فذهب بي إلى التنعيم فاعتمرت ليلة الحصبة ، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الحصبة .


فهذا عبد العزيز بن أبي سلمة ، وحماد ، وعمرو ، ومالك ، ومحمد بن مسلم قد رووا هذا الحديث عن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عائشة في إحرامها الذي كانت فيه مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجته ، أنه كان حجة ، وأنها قدمت مع النبي صلى الله عليه وسلم مكة على ذلك وزاد عمرو ، وعبد العزيز ، وحماد ، ومحمد بن مسلم على مالك في ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا أيضا في حجة ، حتى قدموا مكة ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة .

[ ص: 77 ] وأما ابن عيينة فروى هذا الحديث عن عبد الرحمن ، فجاء بألفاظ تخالف بعضها الألفاظ التي في حديث عمرو ، وعبد العزيز ، وحماد ، ومحمد هذا .

1271 - حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، قال حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، قال : أخبرني أبي ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة لا نرى إلا الحج ، قال : مالك ؟ أنفست ؟ فقلت : نعم قال : إن هذا أمر كتبه الله عز وجل على بنات آدم ، اقضي ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت .

قالت : وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر .


فكان ابتداء هذا الحديث قولها : أنهم كانوا في خروجهم لا يرون إلا الحج ، كما في حديث الأسود الذي رويناه في هذا الباب ، غير أنه لما كان قد خالف سفيان في ذلك الخمسة الذين ذكرنا ، كانوا بالحفظ أولى منه ، مع أنا وجدنا في حديث سفيان هذا قول عائشة : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته فلبيت حجا " . ووجدنا فيه أيضا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاضت : " اقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ، ولا يجوز أن يقال لها ذلك القول إلا وهي في حجة ، فرجع بذلك معنى حديث سفيان هذا إلى معنى أحاديث الخمسة الذي سمينا قبله .

وأما عمرة بنة عبد الرحمن ، فقد روت عنها في ذلك ما :

1272 - قد حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا ، حدثه ، عن يحيى بن سعيد ، قال : أخبرتني عمرة ابنة عبد الرحمن ، أنها سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، تقول : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس ليال بقين من ذي القعدة ، لا نرى إلا أنه الحج ، فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدى ، إذا طاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة أن يحل قالت عائشة : فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه [ ص: 78 ] قال يحيى : فذكرت هذا للقاسم بن محمد ، فقال : أتتك بالحديث على وجهه .

1273 - وما قد حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، قال حدثنا الشافعي ، قال حدثنا سفيان بن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة ، قالت : خرجنا لخمس ليال بقين من ذي القعدة ، لا نرى إلا الحج ، فلما كان بسرف أو قريبا منها أمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدى أن يجعلها عمرة فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه .

قال يحيى : فحدثت به القاسم ، فقال : جاءت والله بالحديث على وجهه .

ففي حديث عمرة هذا أنهم كانوا لا يرون إلا الحج ، فقد وافقت الأسود فيما رواه عن عائشة في ذلك وفي حديث يحيى بن سعيد هذا موافقة القاسم لعمرة على ما روته عن عائشة من ذلك فقد اختلف عبد الرحمن ويحيى عن القاسم فيما رويناه عنه من ذلك غير أنا لا نحمل ذلك على الاختلاف في المعنى الذي كانوا فيه في ذلك الإحرام الذي أحرموا به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقدموا مكة معه عليه ، وإنما وجه ذلك عندنا - والله أعلم - قول عائشة : " لا نرى إلا أنه الحج " إنما هو لأنهم لم يكونوا يعرفون العمرة في أشهر الحج ، فخرجوا على ذلك محرمين بالذي لا يعرفون غيره وقد دل على ما ذكرنا من هذا ما قد روي عن أنس فيه كما :

1274 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا المعلى بن أسد ، قال حدثنا وهيب ، عن عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج أفجر الفجور ، وكانوا يسمون المحرم صفرا ، ويقولون : إذا برأ الدبر ، وعفا الأثر ، وانسلخ صفر ، حلت العمرة لمن اعتمر ، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة وهم يلبون بالحج ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة ، قالوا : يا رسول الله ، أي [ ص: 79 ] حل ؟ قال : الحل كله .

فأخبر ابن عباس أن إحرام رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذي دخلوا مكة عليه كان بالحج ، حتى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها عمرة للعلة التي ذكرها في حديثه ، فثبت بذلك أن قول عائشة : ولا نرى إلا أنه الحج ، إنما على معنى : ولا نعرف إلا الحج ، كما في حديث محمد بن علي بن حسين ، عن جابر الذي ذكرناه في هذا الباب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج ، فخرجنا حتى إذا أتينا ذا الحليفة ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ركب القصوى حتى إذا استوت به على البيداء ، فأهل بالتوحيد ، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به وليس معنى قول عائشة : ولا نرى إلا الحج ، على إنكارها العمرة في غير أشهر الحج ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان اعتمر قبل ذلك في غير أشهر الحج كما حدثنا أبو أمية ، قال حدثنا عمرو بن عاصم الكلابي .

1275 - وكما حدثنا سليمان بن شعيب ، قال حدثنا الخصيب ، قالا : حدثنا همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة من الجحفة ، وعمرة من العام المقبل ، وعمرة من الجعرانة ، وعمرة حيث قسم غنائم حنين ، وعمرة مع حجته ، وحج حجة واحدة ففي حديث أنس هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان اعتمر أربع عمر قبل عمرته التي قرنها بحجته .

وقد روي عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان اعتمر قبل حجته ثلاث عمر .

[ ص: 80 ] 1276 - كما حدثنا علي بن شيبة ، قال حدثنا يحيى بن يحيى ، قال حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر : عمرة الجحفة ، وعمرته من العام المقبل ، وعمرته من الجعرانة ، وعمرة مع حجته ، وحج حجة واحدة .

وقد روي عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرتين ، وأن عائشة قالت منكرة عليه : لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثا سوى عمرته التي قرنها بحجته فوافقت عائشة ابن عباس في عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم التي كان اعتمرها قبل حجته ومع حجته وقد ذكرنا حديث ابن عمر هذا فيما تقدم من هذا الباب .

ثم رجعنا إلى ما كنا فيه قبل هذا مما روي عن عائشة فيما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين قدموا مكة .

التالي السابق


الخدمات العلمية