أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
تأويل قوله تعالى : ( فتيمموا صعيدا طيبا )

قال الله - عز وجل - : ( فتيمموا صعيدا طيبا ) ، وكان قوله - عز وجل - : ( فتيمموا ) من المحكم عند جميع العلماء ، وتأويله عندهم : اقصدوا صعيدا كما قال الله - عز وجل - : ( ولا آمين البيت الحرام ) ، يعني : قاصدين ، وكما قال الله - عز وجل - : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) يعني : ولا تقصدوا ، وسنذكر ما روي في ذلك في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله ، وكان قوله - عز وجل - : ( صعيدا طيبا ) من المتشابه المختلف في المراد به ما هو ؟

فقال بعضهم : كل شيء من الأرض من رمل ، وتراب ، أو زرنيخ ، أو مغرة ، أو ما سوى ذلك فهو صعيد ، وممن قال ذلك منهم أبو حنيفة ، وزفر .

وقال بعضهم : الصعيد الطيب : التراب النظيف دون ما سواه مما يخرج من الأرض .

ولما اختلفوا في ذلك ، ولم نجد لما اختلفوا فيه دليلا في كتاب الله - عز وجل - التمسناه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجدناه فيها .

100 - حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، قال : حدثنا الشافعي ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه [ ص: 103 ] وسلم ، قال : " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : جعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وأرسلت إلى الأحمر والأبيض ، وأعطيت الشفاعة " .

قال لنا المزني : قال لي الشافعي : ثم جلست إلى سفيان فذكر هذا الحديث ، فقال الزهري ، عن أبي سلمة ، أو سعيد ، عن أبي هريرة ، ثم ذكره .

101 - حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا أبو داود ، صاحب الطيالسة ، قال : حدثنا المسعودي ، عن مزاحم بن زفر الضبي ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله . وزاد فيه فادخرتها لأمتي يوم القيامة .

فلما أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله - عز وجل - جعل له الأرض مسجد وطهورا ، وكان المراد بالمسجد الصلاة عليها ، والمراد بالطهور التيمم بها ، كانت كل أرض جازت الصلاة عليها جازت التيمم بها ، فثبت بذلك ما ذهب إليه أبو حنيفة وزفر في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية