أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وقد روينا عن جابر وقوفه على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج فيما تقدم منا في هذا الباب . ثم :

1297 - قد حدثنا ابن أبي داود ، قال حدثنا سليمان بن حرب ، قال حدثنا حماد ، عن عاصم ، عن أبي نضرة ، عن جابر ، قال : متعتان فعلناهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نهى عنهما عمر ، فلن نعود إليهما .

ولا يجوز - عندنا - على جابر أن يكون ترك شيئا قد علمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد قيام الحجة عليه بنسخه ، أو بثبوت الخصوصية فيه لمن كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي عن عبد الله بن هلال ، وهو رجل قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في فسخ الحج أيضا كنحو ما روي عن أبي ذر فيه . وذلك أن ابن أبي داود ، .

[ ص: 92 ] 1298 - حدثنا ، قال حدثنا إسحاق بن محمد الفروي ، قال حدثنا محمد بن جعفر ، عن كثير بن عبد الله ، عن بكر بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن هلال صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ما كان لأحد بعدنا أن يحرم بالحج ثم يفسخه بعمرة .

1299 - وأن محمد بن خزيمة ، حدثنا ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا عبد الوهاب ، عن يحيى بن سعيد ، قال : حدثني كثير بن عبد الله رجل من بني مزينة ، عن بعض أجداده أو أعمامه ، أنه قال : ما كان لأحد بعدنا أن يحرم بالحج ثم يفسخه بعمرة .

وهذا مما لا يجوز على أحد ، له من رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة ، أن يقوله رأيا ، إذ كان ذلك لا يوجد من جهة الرأي ، ولم يقله - عندنا - من قاله منهم إلا بعد التوقيف الذي قد وجب عليهم ترك ما كانوا فعلوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتمسك بما قد وقفوا عليه من ذلك .

فلما وجدنا في فسخ الحج الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يفعلوه التوقيف منه إياهم على الخصوصية بذلك ، وعلى منع من سواهم منه ، علمنا بذلك أن الناس جميعا بعد فسخهم حجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ممنوعون من الخروج من الحج إلا بإتمامه ، إلا أن يصدوا عن البيت ، فيكون لهم ما قد جعله الله عز وجل لمن أحصر بالحج مما سنأتي به بعد من كتابنا هذا إن شاء الله .

وفيما روينا وصححنا مما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حجة الوداع ، ما قد جمع الناس فيها الإحرام بالحج خالصا ، والإحرام بالعمرة ، وإضافة الحج إليها ، حتى يكون الذي يفعل ذلك قارنا كما فعله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره من إدخال الحج على العمرة التي عاد حجهم إليها ، والتمتع بالعمرة إلى الحج ، برجوع حجهم إلى عمرة ، وإحرامهم بالحج بعد ذلك وبعد طوافهم قبل ذلك العمرة ، حتى صاروا بما فعلوا من ذلك متمتعين ، وأن من تمتع بالعمرة إلى الحج ، وساق الهدي لإحرامه لم يحل بين عمرته وبين حجته ، كما لم يحل رسول الله صلى الله عليه وسلم في [ ص: 93 ] حجته التي قد عادت إلى عمرة لسياقه الهدي حتى حل من العمرة مع حله من الحجة التي أحرم بها بعدها .

1300 - وقد حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا ، أخبره ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة ، أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما شأن الناس حلوا بعمرة ، ولم تحلل أنت من عمرتك ؟ قال : إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي ، فلا أحل حتى أنحر .

فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنه لولا سياقته الهدي لكان قد حل من عمرته التي عاد إحرامه إليها ، كما حل عامة أصحابه الذين عاد حجهم إلى عمرة ممن لا هدى معه ، ودل قبول رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفصة قولها " ولم تحلل أنت من عمرتك " ، وتركه التكثير في ذلك عليها ، أنه لم يكن قبل إحلاله إلا في مثل ما كان أصحابه من الحجة التي كانوا أحرموا بها إلا من عمرة معها .

التالي السابق


الخدمات العلمية