أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وكان غيرهم من أهل العلم يذهب إلى أن المرأة إذا حاضت بعد طوافها بالبيت الطواف الواجب عليها في حجها ، وهو طواف الزيارة ، كان لها أن تنفر من غير أن تطوف طواف الصدر ، ومن غير أن يكون عليها مكانه شيء من دم أو غيره واحتجوا في ذلك بما قد :

1318 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه قد خفف عن المرأة الحائض .

قال أبو جعفر : فدل ذلك على أن ابن طاوس قد حفظ عن طاوس في هذا الحديث ما لم يحفظه عنه سليمان ، فهو أولى .

1319 - وبما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا عمرو بن أبي رزين ، قال حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن عكرمة ، أن زيد بن ثابت ، وابن عباس اختلفا في المرأة تحيض بعدما تطوف بالبيت يوم النحر ، فقال زيد يكون آخر عهدها الطواف بالبيت وقال ابن عباس : تنفر إذا شاءت فقال الأنصار لا نبايعك يا ابن عباس وأنت تخالف زيدا فقال : سلوا صاحبتكم أم سليم فسألوها ، فقالت : حضت بعد ما طفت يوم النحر ، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنفر ، وحاضت صفية ، فقالت لها عائشة : الخيبة لك ، حبست أهلنا فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تنفر .

1320 - وبما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو عاصم ، عن ابن [ ص: 104 ] جريج ، عن الحسن بن مسلم ، عن طاوس ، قال قال زيد بن ثابت لابن عباس : أنت الذي تفتي الحائض أن تصدر قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت ؟ قال : نعم قال : فلا تفعل فقال : سل فلانة الأنصارية ، هل أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تصدر ؟ فسأل المرأة ثم رجع إليه ، فقال : ما أراك إلا قد صدقت .

قال أبو جعفر : فسؤال زيد الأنصارية ، ورجوعه إلى ابن عباس ، وتصديقه إياه فيما كان خالفه فيه وحاجه ابن عباس ، دليل على رجوعه عن ما كان عليه من ذلك ، إلى الذي كان ابن عباس خالفه فيه .

1321 - وبما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا وهب بن جرير ، قال حدثنا شعبة ، عن إبراهيم بن ميسرة ، وسليمان خال ابن أبي نجيح ، عن طاوس ، قال : كان ابن عمر قريبا من سنين ينهى أن تنفر حتى يكون آخر عهدها بالبيت ثم قال : ثبت أنه قد رخص للنساء .

1322 - وبما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث بن سعد ، قال : حدثني عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني طاوس اليماني ، أنه سمع عبد الله بن عمر ، يسأل عن حبس النساء عن الطواف بالبيت إذا حضن قبل النفر ، وقد أفضن يوم النحر ، فقال : إن عائشة كانت تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم رخصة للنساء وذلك قبل موت عبد الله بن عمر بعام .

1323 - وبما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال حدثنا سهل بن بكار ، قال حدثنا وهيب ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، أنه كان يرخص للحائض إذا أفاضت أن تنفر .

قال طاوس : وسمعت ابن عمر ، يقول : لا تنفر ثم سمعته بعد يقول : تنفر ، رخص لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 105 ] 1324 - وبما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا بشر بن عمير الزهراني ، قال حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينفر رأى صفية على باب خبائها كئيبة حزينة وقد حاضت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك لحابستنا ، أكنت أفضت يوم النحر قالت : نعم قال : فانفري إذن .

1325 - وبما قد حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وعروة بن الزبير ، عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نحوه .

1326 - وبما قد حدثنا يونس ، قال أخبرنا عبد الله بن وهب ، أن مالك بن أنس ، حدثه عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، أن صفية ابنة حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أحابستنا هي ؟ فقلت : إنها قد أفاضت قال : فلا إذن .

1327 - وبما قد حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا ، حدثه عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة ، عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نحوه .

ففي هذه الأحاديث إخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم الحيض ممن أمره أن لا ينفر من الحاج حتى يكون آخر عهدهم الطواف بالبيت وذلك دليل على أن طواف الصدر ليس في الوجوب كطواف يوم النحر ، لأن الحائض لا يرخص لها في ترك طواف يوم [ ص: 106 ] النحر ، كما رخص لها في ترك طواف الصدر وهكذا كان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن يقولون في طواف الصدر : إنه ليس في الوجوب على الحاج كطواف يوم النحر ، وأن طواف يوم النحر هو الواجب الذي لا بد منه للحاج ، وإنه إن تركه حتى رجع إلى أهله في حرمة من الحج ، باقية عليه على حاله التي كان عليها وهو بمكة ، وإنه لا يزال كذلك حتى يأتي البيت فيطوف به .

ثم يختلفون هل عليه مع ذلك دم لتأخيره الطواف عن أيام النحر أم لا ؟ فيقول أبو حنيفة : عليه مع ذلك دم لا بد له منه ويقول أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن : لا دم عليه مع ذلك وكانوا يقولون في تارك طواف الصدر من الرجال ومن النساء غير الحيض منهن : إنه لا يجب عليهم في ذلك الرجوع حتى يطوفوا بالبيت ، وإنه يجزئهم الدماء من ذلك يبعثون به إلى مكة حتى يذبح عنهم فيها حدثنا بذلك سليمان بن شعيب ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة ، وعن أبيه ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، وعن أبيه ، عن محمد بما ذكرناه عن كل واحد منهم من ذلك وأما مالك بن أنس فكان قوله في ذلك أن لا دم فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية