أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
قال أبو جعفر : وينبغي لمن يسعى بين الصفا والمروة أن يرمل في بطن السيل ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك فعل في طوافه لحجته .

1355 - فيما حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال حدثنا أسد ، قال حدثنا حاتم بن إسماعيل ، قال حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، في حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه لما فرغ من طوافه خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) ، فبدأ بالصفا ، فرقى عليه حتى رأى البيت ، فوحد الله عز وجل ، وكبره ، ثم قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك ، فقال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة حتى انتصبت قدماه ، رمل في بطن الوادي حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا .

وجميع ما ذكرنا في هذه الثلاثة الفصول هو قول أبي حنيفة ، ومالك ، وسفيان الثوري ، وزفر ، وأبي يوسف ، ومحمد ، والشافعي ، وسائر أهل العلم سواهم غير أنه قد روي عن عبد الله بن عمر اختلاف في الرمل في بطن الوادي فأما كثير بن جهمان فروي عنه في ذلك ما :

1356 - قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج بن منهال ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن كثير بن جمهان ، قال : رأيت ابن عمر يمشي في [ ص: 117 ] بطن المسيل ، فقلت : تمشي وتأمر الناس بالسعي ؟ فقال ابن عمر : إن أمشي فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ، وإن أسع فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر يسعيان .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث مشى ابن عمر في بطن المسيل ، وأمره الناس بالسعي فيه ، وذكره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر ما ذكره عنهما فيه .

وذلك محتمل عندنا أن يكون كان مذهبه أن لا فضل في ذلك للسعي على المشي .

ويحتمل أن يكون علم أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى في بعض ذلك ، ومشى في بعضه .

وأما أبو بكر بن عبد الله المزني فروي عنه في ذلك ما :

1357 - قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج بن منهال ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن بكر ، أن عمر كان يسعى من لدن سكة محمد بن عباد بن رفاق بن ساع .

1358 - وما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا حماد ، عن حميد ، عن بكر ، أن ابن عمر ، قال : إني لأسعى ، وإني لأظن أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أو عمر يسعى .

ففي حديثي بكر بن عبد الله هذين عن ابن عمر أنه كان يسعى ، وذلك خلاف ما رواه كثير بن جمهان عنه مما ذكرنا وفي أحدهما أيضا أنه يظن أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عمر يمشي ، فذلك على ما لا حقيقة فيه عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عمر .

ثم رجعنا إلى طلب الحقيقة ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فوجدنا في حديث جابر بن عبد الله الذي قد رويناه في هذا الفصل ، أن رسول الله صلى [ ص: 118 ] الله عليه وسلم رمل في ذلك ، فكان ما روي عن جابر في هذا أولى مما روي عن غيره ، وليس لأحد ترك شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته ، إذ كان قد أمر الناس أن يأخذوا مناسكهم من أقواله وأفعاله كما :

1359 - قد حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا أبو عاصم ، قال أخبرنا سفيان الثوري ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال في حجة الوداع : لتأخذ أمتي مناسكها ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا .

ووجدنا حبيبة ابنة أبي تجرأة قد روت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله ، ثم ذكرته عنه من قوله كما :

1360 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا معاذ بن هانئ ، قال حدثنا عبد الله بن المؤمل ، قال حدثنا عمر بن عبد الرحمن بن محيصن ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : حدثتني صفية ابنة شيبة ، عن امرأة يقال لها : حبيبة ابنة تجرأة ، قالت : دخلنا دار أبي حسين ، ومعي نسوة من قريش ، والنبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت حتى أن ثوبه ليدور به ، وهو يقول لأصحابه : اسعوا . فإن الله جل وعز كتب عليكم السعي .

ففي هذا الحديث حضور حبيبة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالسعي ، وإخباره إياهم أن الله عز وجل قد كتبه عليهم وذلك عندنا - والله أعلم - هو السعي الذي ذكرنا قبل هذا ، لأن الطواف بالبيت لا سعي فيه وقد بين ذلك ، ودل عليه ما :

1361 - قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج بن منهال ، قال حدثنا حماد ، قال أخبرنا بديل بن ميسرة العقيلي ، عن صفية ابنة شيبة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسعى في المسيل وهو يقول : لا يقطع الأبطح إلا شدا ، ولم يتجاوز به حماد صفية .

[ ص: 119 ] فعقلنا بحديث حماد هذا أن السعي المراد في حديث ابن محيصن الذي ذكرناه قبل هذا هو السعي في بطن المسيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية