أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وأما الخطبة الثالثة ، وما ذهب إليه الشافعي ، إنها في يوم النحر ، وما ذكرناه عن زفر فيها مثل ذلك أيضا ، فقد روى عبد الله بن عمر ، وعمرو بن الأحوص ، وأبو بكرة ، وأبو عادية ، ورجل آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب يوم النحر في حجة الوداع فمن ذلك ما :

1370 - قد حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا دحيم بن اليتيم ، قال حدثنا الوليد بن مسلم ، قال حدثنا هشام بن الغاز الحرشي ، قال حدثنا نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج ، فقال للناس : أي يوم هذا ؟ فقالوا : يوم النحر قال : فأي بلد هذا ؟ قالوا : بلد حرام قال : فأي شهر هذا ؟ قالوا : الشهر الحرام قال : هذا يوم الحج الأكبر ، فدماؤكم ، وأموالكم ، وأعراضكم عليكم حرام كحرمة هذا البلد في هذا اليوم ثم قال : هل بلغت ؟ قالوا : نعم فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم اشهد ، ثم ودع الناس ، فقالوا : هذه حجة الوداع .

1371 - وما قد حدثنا علي بن معبد ، قال حدثنا يونس بن محمد ، قال حدثنا حسين بن عازب بن سبيب بن غرقدة أبو غرقدة ، عن سبيب بن غرقدة ، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص ، عن عمرو بن الأحوص ، قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فقال : أي يوم هذا ؟ قالوا : يوم الحج الأكبر يا رسول الله قال : فإن دماءكم وأعراضكم حرام بينكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، أن لا لا يجني جان إلا على نفسه ، أن لا لا يجني والد على ولده ، ولا مولود على والده ، أن لا وإن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا بعد يومكم هذا ، ولكن سيكون له طاعة في بعض ما تحقرون من أعمالكم يرضى بها عنكم فاحذروه ، فإنه عدو لكم ألا وإن كل ربا [ ص: 126 ] كان في الجاهلية فإنه موضوع ، لكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، وإن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله أن لا وإن كل دم كان في الجاهلية فإنه موضوع كله ، وإن أول دم يوضع دم الحارث بن عبد المطلب ، كان مسترضعا في بني لبابة ، فقتلته والمسلم أخو المسلم ، لا يحل له من ماله إلا ما أحل له من مال نفسه أن لا واتقوا الله عز وجل في النساء ، فإنما هن عندكم عوان أخذتموهن بأمانة الله عز وجل ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله عز وجل ، لكم عليهن حق ، ولهن عليكم حق ، ومن حقكم عليهن أن لا يؤذن في بيوتكم إلا بإذنكم ، ولا يوطئن فرشكم من تكرهون ، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع ، واضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا .

ومن حقهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، ثم نادى : يا أمتاه ، هل بلغتكم ؟ يا أمتاه ، هل بلغتكم ؟ يا أمتاه ، هل بلغتكم ؟ ثلاثا . ثم قال : اللهم اشهد .

ثم قالت جارية من الحي لأمها : يا أمتاه ما له يدعو أمه ؟ قالت : أي بنية إنما يدعو أمته .


1372 - وما قد حدثنا علي بن معبد ، قال حدثنا أبو الأشهب هودة بن خليفة البكراوي ، قال حدثنا ابن عون ، عن محمد بن سيرين ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبي بكرة ، قال : لما كان ذلك اليوم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته ، ثم وقف ، فقال : أتدرون أي يوم هذا ؟ فسكتنا حتى رينا أن سيسميه سوى اسمه ، ثم قال : أليس يوم النحر ؟ قلنا : بلى .

ثم قال : أتدرون أي شهر هذا ؟ فسكتنا حتى رينا أن سيسميه سوى اسمه ، قال : أليس ذا الحجة ؟ فقالوا : بلى فقال : أتدرون أي بلد هذا ؟ فسكتنا حتى رينا أن سيسميه سوى اسمه قال : أليس البلد ؟ فقلنا : بلى قال : إن أموالكم وأعراضكم ودماءكم بينكم في مثل يومكم هذا ، في مثل شهركم هذا ، في مثل بلدكم هذا ، أن لا ليبلغ الشاهد الغائب ، فرب مبلغ أوعى من مبلغ ثم مال على ناقته إلى غنيمات ، فجعل يقسمهن بين الرجلين [ ص: 127 ] الشاة ، وبين الثلاثة الشاة .


1373 - ومنه ما قد حدثنا علي بن معبد ، قال حدثنا يونس بن محمد ، قال حدثنا ربيعة بن كلثوم بن جبير ، قال : حدثني أبي ، عن أبي عادية رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العقبة فقال : يا أيها الناس ، أن لا إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى يوم تلقون ربكم عز وجل ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا هل بلغت ؟ فقلنا : نعم قال : اللهم اشهد ، ألا لا ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض .

1374 - ومنه ما قد حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال حدثنا عبد الرحمن بن زياد ، قال حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، قال : سمعت مرة الهمداني ، قال حدثنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة ، فقال : أتدرون أي يوم يومكم هذا ؟ قالوا : يوم النحر قال : صدقتم ، يوم الحج الأكبر ، أتدرون أي شهر شهركم هذا ؟ قالوا : ذو الحجة قال : صدقتم ، شهر الله الأصم ، أتدرون أي بلد بلدكم هذا ؟ قالوا : المشعر الحرام قال : صدقتم ، فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، أو كحرمة يومكم هذا وشهركم هذا ، أن لا إني فرطكم على الحوض ، وإني مكاثر بكم الأمم والناس ، فلا تسودوا بوجهي ، أن لا وقد رأيتموني ، وسمعتم مني ، وستسألون عني ، فمن كذب على فليتبوأ مقعده من النار ، ألا وإني مستنقذ رجالا ونساء ، ومستنقذ مني آخرون ، فأقول : أصحابي ، فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك .

وكانت هذه الآثار مما احتج بها الذين ذهبوا إلى أن أمير الحاج يخطب بالحاج يوم [ ص: 128 ] النحر ، فكان من الحجة عليهم للآخرين الذين ذهبوا إلى أن لا خطبة في يوم النحر للحج ، إن هذه الخطبة التي كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم النحر لم تكن في أسباب الحج ، لأنه صلى الله عليه وسلم إنما ذكر فيها الأمور لا يصلح لأحد بعده ذكر بعضها ، لأن الذين يأمرون أمير الحاج أن يخطب بالحاج في يوم النحر يأمرونه أن يخطب بهم في سبب من أسباب حجهم ، في تعليمهم رمى جمارهم ، وفي التعجيل لمن أراده ، وفي المقام لمن أراده ، وفي نحر النسك والدماء ، لا فيما سوى ذلك .

فلما وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخطب الناس بذلك في يوم النحر في حجته ، ولكنه خطبهم بغيره ، عقلنا بذلك أن خطبته تلك لم تكن للحج ، وأنها كانت لما سواه وفي تركه صلى الله عليه وسلم الخطبة يومئذ بأسباب الحج دليل أن لا خطبة للحج في يوم النحر كما يقول أبو حنيفة ، ومالك بن أنس ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن مما قد حكيناه عنهم في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية