أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
تأويل قوله تعالى : ( فإذا أفضتم من عرفات ) الآية .

قال الله جل ثناؤه : ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ) .

قال أحمد : وكان ذلك دليلا أنه عز وجل قد أمرهم بوقوف عرفة قبل إفاضتهم منها ، غير أنا لم نجده ذكر لنا ابتداء ذلك الوقوف ، أي وقت هو في كتابه ؟ وبينه لنا بفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما :

1378 - قد حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال حدثنا أسد بن موسى ، قال حدثنا حاتم بن إسماعيل ، قال حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، في حديثه عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى الصبح يوم عرفة بمنى ، مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، فركب ، وأمر بقبة من شعر ، فنصبت له بنمرة ، فسار ، ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام ، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء ، فرحلت له ، فركب حتى أتى بطن الوادي ، فخطب الناس .

ففي هذا الحديث أن دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عرفة كان بعد زوال الشمس من يوم عرفة ، وقد روي عن عبد الله بن عمر في رواح رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها ، أنه كان كذلك كما :

1379 - قد حدثنا نصر بن مرزوق ، قال حدثنا خالد بن بزار الأيلي ، قال حدثنا نافع بن عمر الجمحي ، قال : أخبرني سعيد بن حسان ، قال : أرسل الحجاج إلى ابن عمر يوم عرفة ، متى راح النبي صلى الله عليه وسلم هذا اليوم ؟ قال : إذا كانت تلك الساعة رحت فأرسل إليه الحجاج رسولا ، وقال : اجلس معه ، حتى إذا راح ، فأخبرني .

[ ص: 132 ] قال : فقال ابن عمر : ارتحلوا قالوا : لم تزغ الشمس ؟ قال : فجلس ، ثم قال : ارتحلوا قالوا : لم تزغ الشمس ، فجلسوا حتى راح حين زاغت الشمس .


1380 - وكما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال أخبرنا نافع بن عمر ، قال : أخبرني سعيد بن حسان ، فذكر مثله سواء .

وقد روي عن سالم بن عبد الله بن عمر ، وعن الزهري ، عن عبد الله بن عمر ، في الرواح إليها كذلك أيضا كما :

1381 - قد حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا بشر بن عمر الزهراني ، وعبد الله بن مسلمة القعنبي ، قالا : حدثنا مالك بن أنس - واللفظ لبشر - عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، قال : كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج : أن لا تخالف ابن عمر في شيء مما أمر به من شأن الحج ، فلما كان يوم عرفة جاءه عبد الله بن عمر حين زالت الشمس وأنا معه ، فصرخ به عند سرادقه أين هذا ؟ فخرج عليه الحجاج وعليه ملحفة معصفرة ، فقال : مالك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : الرواح إن كنت تريد السنة . قال : هذه الساعة ؟ قال : نعم . قال : فأنظرني أفيض على ماء ، ثم أخرج فنزل عبد الله بن عمر حتى خرج الحجاج ، فسار بيني وبين أبي ، فقلت له : إن كنت تريد السنة اليوم فاقصر الخطبة ، وعجل الصلاة ، فجعل ينظر إلى عبد الله بن عمر كي يسمع ذلك منه ، فلما رآه عبد الله ، قال : صدق .

وفي هذا الحديث حبس من المناسك قد ذكرناه فيما قبل من كتابنا هذا ، وهو خروج الحجاج وعليه معصفرة ، وهو يومئذ محرم ، فلم ينكر ذلك عبد الله عليه ، فدل ذلك على أن ابن عمر لم يكن يرى العصفر من الطيب الذي يحرمه الإحرام على المحرم .

1382 - وكما حدثنا عبيد بن محمد البزار ، قال حدثنا أحمد بن صالح ، قال حدثنا عبد الرزاق ، قال أخبرنا معمر ، عن الزهري ، قال : كتب عبد الملك إلى الحجاج : [ ص: 133 ] أن اقتدي بابن عمر في مناسكك قال : فأرسل إليه يوم عرفة ، إذا أردت أن تروح فأذنا .

قال : فجاء هو وسالم ، قال الزهري وأنا معهما ، حين زاغت الشمس ، فوقف ابن عمر بفنائه ، فقال : ما تحبسه ، فلم يلبث أن خرج الحجاج ، فقال : إن أمير المؤمنين كتب إلي أن أقتدي بك ، وأن آخذ عنك . فقال له سالم : إن أردت السنة فأوجز الخطبة والصلاة .


قال الزهري : وكنت يومئذ صائما ، فلقيت من الحر شدة قال عبد الرزاق : فقلت لمعمر : أسمع الزهري من ابن عمر ؟ قال : سمع منه حديثين .

التالي السابق


الخدمات العلمية