أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وينبغي للحاج أن يصلي المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا جامعا بينهما في وقت الآخرة منهما ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما بها جميعا في وقت الآخرة منهما ، غير أن أهل العلم قد اختلفوا كيف يصليهما ، أبأذانين وإقامتين ، أو بأذان وإقامة واحدة ؟ أو بإقامة واحدة بلا أذان ؟ فكان بعضهم يقول : يصليهما بأذانين وإقامتين ، وقد روي هذا القول عن عمر بن الخطاب ، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما :

1413 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود بن عبد الله بن يونس ، قال حدثنا إسرائيل بن يونس ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود أنه صلى مع عمر بن الخطاب [ ص: 147 ] صلاتين مرتين بجمع ، كل صلاة بأذان وإقامة ، والعشاء بينهما .

1414 - حدثنا علي بن شيبة ، قال حدثنا عبد الله بن موسى العبسي ، قال حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : خرجت مع عبد الله بن مسعود إلى مكة ، فلما أتى جمعا صلى الصلاتين كل واحدة منهما بأذان وإقامة ، ولم يصل بينهما :

وأما ما رويناه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا ، فيحتمل أن يكون أذن وأقام للآخرة منهما من أجل العشاء الذي كان جعله بينهما ولا ندري كيف كان يذهب إلى الجمع بينهما بلا فاصل بينهما من عشاء ، ولا غيره ، أهو بأذانين وإقامتين ؟ أو بأذان وإقامتين ؟ أو بإقامة لا أذان معها ؟ .

وأما عبد الله بن مسعود ففي حديثه الذي رويناه عنه ، أنه لم يصل بينهما ، وقد يحتمل أن يكون لم يصل بينهما ، ولكنه يغشى بينهما كما فعل عمر بن الخطاب ، فأذن وأقام للثانية منهما كذلك ، ولأنه قد خرج بما فعله بينهما من الجمع بينهما الذي من أجله سقط عنه التأذين والإقامة للآخرة منهما ، أو التأذين لها خاصة ، وعاد ذلك من حكمهما بمزدلفة إلى حكمهما في سائر الأماكن سواها فلم يكن في حديث ابن مسعود هذا ما يدلنا على كيفية الجمع بينهما ، فلا فاصل يفصل به بينهما من صلاة ومن عشاء ومن غيرهما فنظرنا في ذلك فوجدنا : يونس بن عبد الأعلى :

[ ص: 148 ] 1415 - قد حدثنا ، قال أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : كان ابن مسعود يجعل العشاء بالمزدلفة بين الصلاتين فعاد بذلك معنى حديث ابن مسعود هذا إلى معنى حديث عمر الذي رويناه قبله ولم يكن في حديث واحد منهما دليل على كيفية جمع الصلاتين بمزدلفة بلا فاصل بينهما من عشاء ولا من غيره .

وكان بعضهم يقول : يصليهما بإقامة واحدة بلا أذان وممن كان يقول بهذا القول سفيان بن سعيد الثوري .

حدثنا مالك بن يحيى الهمداني ، قال حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ، عن الأشجعي ، عن سفيان ، بهذا القول وقد روي فيما يوافق ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما :

1416 - قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو عامر العقدي ، قال حدثنا شعبة ، عن الحكم ، أنه صلى مع سعيد بن جبير بجمع المغرب ثلاثا ، والعشاء ركعتين بإقامة واحدة ، ثم حدث أن ابن عمر صنع مثل ذلك ، وحدث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل ذلك في ذلك المكان .

1417 - وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال حدثنا شعبة ، قال : حدثني الحكم بن عيينة ، وسلمة بن كهيل ، قالا : صلى بنا سعيد بن جبير بإقامة المغرب ثلاثا ، فلما سلم قام ، فصلى العشاء ركعتين ، ثم حدث عن ابن عمر أنه صنع بهم في ذلك المكان مثل ذلك ، وحدث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع بهم في ذلك المكان مثل ذلك .

1418 - وما قد حدثنا حسين بن نصر ، قال حدثنا أبو نعيم ، قال حدثنا سفيان الثوري ، عن سلمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر ، قال : صلى رسول الله [ ص: 149 ] صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء بجمع بإقامة واحدة .

1419 - وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو عامر ، قال حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن مالك ، قال : صليت مع ابن عمر المغرب ثلاثا ، والعشاء ركعتين بإقامة واحدة ، فقيل له : يا أبا عبد الرحمن ، ما هذا ؟ قال صليتهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان بإقامة واحدة .

1420 - وما قد حدثنا حسين بن نصر ، قال : سمعت يزيد بن هارون ، قال أخبرنا سفيان بن سعيد ، فذكر بإسناده مثله .

1421 - وما قد حدثنا يونس ، قال حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : حدثني أربعة كلهم ثقة ، منهم سعيد بن جبير ، وعلي الأزدي ، عن ابن عمر ، أنه صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة بإقامة واحدة .

ففي هذه الآثار عن ابن عمر ، أنه جمع بين الصلاتين بمزدلفة بإقامة واحدة ، وأنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاهما بها كذلك وقد يحتمل أن يكون أذن معهما ، ولم ينقل إلينا في هذه الآثار فنظرنا في ذلك فوجدنا روح بن الفرج .

1422 - قد حدثنا ، قال : عمرو بن خالد ، قال حدثنا زهير بن معاوية ، قال حدثنا أبو إسحاق ، عن عبد الله بن مالك بن الحارث ، قال : صلى عبد الله بن عمر بالمزدلفة صلاة المغرب بإقامة واحدة ليس معها أذان ثلاث ركعات ، ثم قال الصلاة ، ثم قام ، فصلى العشاء ركعتين ، ثم سلم ، فقال له خالد بن مالك الحارثي : ما هذه الصلاة يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : صليت هاتين الصلاتين مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المكان ليس معها أذان .

[ ص: 150 ] وكان في هذا الحديث ما قد كشف المعنى الذي قد طلبناه ، وثبت به من حديث ابن عمر ما قال سفيان الثوري مما قد حدثناه عنه ، ونظرنا فيه أيضا ، فوجدنا يونس بن عبد الأعلى :

1423 - قد حدثنا ، قال حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : حدثني ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا لم يناد في واحدة منهما إلا بالإقامة ، ولم يسبح بينهما ، ولا على إثر واحدة منها .

ووجدنا إسماعيل بن يحيى المزني :

1424 - قد حدثنا ، قال حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ، عن عبد الله بن نافع ، عن ابن أبي ذئب ، فذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : لم يناد بينهما ، ولا على إثر كل واحدة منهما إلا بإقامة .

وهكذا حفظي عن يونس ، عن ابن وهب ، غير أني وجدت في كتابي عن يونس كما قصصته في الحديث الذي قبل هذا .

ووجدنا أبا بكرة :

1425 - قد حدثنا ، قال حدثنا أبو عامر ، قال حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين لم يناد في واحدة منهما إلا بالإقامة ، ولم يسبح بينهما .

فكان حديث سالم بن عبد الله هذا عن ابن عمر في نفي الأذان من الصلاتين بمزدلفة كحديث مالك بن الحارث الذي رويناه قبله . 50 [ ص: 151 ] وقد روي عن أبي أيوب ، والبراء بن عازب الأنصاريين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى هاتين الصلاتين بمزدلفة كذلك أيضا .

1426 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا محمد بن عمر بن رومي ، قال حدثنا قيس بن الربيع ، قال أخبرنا غيلان ، عن عدي بن ثابت الأنصاري ، عن عبد الله بن يزيد الأنصاري ، قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء بإقامة واحدة ، يعني بمزدلفة .

1427 - حدثنا ابن أبي داود ، قال حدثنا عمرو بن عون الواسطي ، قال أخبرنا أبو يوسف ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن عدي بن ثابت ، عن عبد الله بن يزيد ، عن البراء بن عازب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بالمزدلفة المغرب والعشاء بإقامة واحدة .

وكان بعضهم يقول : يصليهما بإقامتين بلا أذان ، ويحتجون في ذلك بما :

1428 - قد حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني مالك بن أنس ، عن موسى بن عقبة ، عن كريب مولى ابن عباس ، عن أسامة بن زيد ، أنه سمعه يقول : دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة ، حتى إذا كان بالشعب نزل ، فبال ، ثم توضأ ، فلم يسبغ الوضوء ، فقلت له : الصلاة ؟ فقال : الصلاة أمامك ، فركب حتى جاء مزدلفة ، فنزل ، فتوضأ ، فأسبغ الوضوء ، ثم أقيمت الصلاة ، فصلى المغرب ، ثم أناخ كل إنسان بعيره في مزدلفة ، ثم أقيمت العشاء ، فصلاها ، لم يصل بينهما شيئا .

ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما بإقامتين ، غير أن [ ص: 152 ] فيه أن كل إنسان منهم أناخ بعيره في منزله بين الصلاتين ، فقد يجوز أن تكون حاجته إلى الإقامة للصلاة الثانية كانت ، لأن الناس لما تشاغلوا عن الصلاة الثانية بإناخة إبلهم في منازلهم ، خرجوا بذلك من حكم الجامعين بين الصلاتين ، فأقاموا الصلاة ليتركوا ما هم فيه ، ويرجعوا إلى الصلاة الثانية حتى يصلوها ، فليس في هذا ما يدل على كيفية الجمع بينهما لو لم يكن بينهما تشاغل بغيرهما :

التالي السابق


الخدمات العلمية