أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
فإن صلى رجل هاتين الصلاتين دون مزدلفة فإن أهل العلم يختلفون في ذلك فطائفة منهم تقول : لا يجزئانه ، وعليه أن يعيدهما إذا أتى مزدلفة مع الإمام إن أدركهما معه ، أو وحده إن فاتتاه مع الإمام وممن قال بذلك منهم أبو حنيفة ، ومحمد بن الحسن فيما حدثنا سليمان بن شعيب ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة ، وعن محمد ، بذلك وكانا يحتجان في ذلك بما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من قوله لأسامة بن زيد لما قال له دون مزدلفة : " الصلاة " قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " الصلاة أمامك " .

وطائفة منهم تقول : صلاته جائزة إلا أنه قد أساء في تقديمه الصلاة على الموضع الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فيه وممن قال بذلك منهم أبو يوسف فيما حدثنا سليمان ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي يوسف وكان مما يحتج به أهل هذا القول الثاني على القول الأول أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة : " الصلاة أمامك " قد يجوز أن يكون أراد به الصلاة التي يصليها بالناس على ما يصليها بالناس عليه وقد روى حماد بن سلمة هذا الحديث عن موسى بن عقبة ، فقال فيه : " المصلى أمامك " كما :

1433 - قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا حماد ، عن موسى بن عقبة ، عن كريب بن أبي مسلم ، عن أسامة بن زيد ، أنه كان رديف النبي صلى [ ص: 155 ] الله عليه وسلم من عرفة إلى جمع ، فقال أسامة : أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل الشعب ، فتوضأ ، فقلت : يا رسول الله ، أتصلي ؟ فقال : المصلى أمامك ، حتى أتى جمعا ، فصلى المغرب ، ولم يكن إلا قدر ما وضعنا عن رواحلنا ، ثم صلى العشاء .

وقد روى حماد بن زيد هذا الحديث ، عن إبراهيم بن عقبة ، عن كريب بهذا المعنى أيضا كما :

1434 - قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال حدثنا سليمان بن حرب ، قال حدثنا حماد بن زيد ، عن إبراهيم بن عقبة ، عن كريب ، قال : سمعت أسامة ، قال : لما أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة مال إلى الشعب ، وبال ، وتوضأ ، فقيل له : يا رسول الله ، الصلاة ؟ قال : المصلى أمامك .

فكان معنى قوله : " المصلى أمامك " أي أن المصلى الذي أجمع فيه بالناس المغرب والعشاء أمامك .

ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما اختلفوا فيه منه ، فلم نجد الصلاة بالمزدلفة للحاج تخلو من أحد وجهين : إما أن يكون وقت الأولى منهما يدخل بغروب الشمس ، ووقت الآخرة منهما يدخل بغيبوبة الشفق ، غير أنه أبيح لما هم فيه من المشقة والتعب تأخير أولاهما إلى وقت الآخرة منهما حتى يجمعوا بينهما في وقت الآخرة منهما أو يكون وقتهما عند القدوم إلى المزدلفة ، لا قبل ذلك ، فوجدناهم لا يختلفون في الصلاتين اللتين تصليان بعرفة ، أيهما لوصلينا دونها ، كل واحدة منهما في وقتها في سائر الأيام ، كانتا مجزئتين فالصلاتان بمزدلفة أحرى أن تكونا كذلك ، لأن أمر عرفة لما كان أوكد من أمر مزدلفة ، كان ما يفعل في عرفة أوكد مما يفعل في مزدلفة ، فثبت بما ذكرنا في ذلك ما قاله أبو يوسف فيه ، وانتفى ما قال الآخرون فيه .

وقد روي عن عروة بن الزبير أنه كان ربما صلاهما بالشعب .

[ ص: 156 ] 1435 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا حماد ، عن هشام بن عروة ، أن أباه قديما كان صلاهما على الجبل ، وربما صلاهما بجمع ، وربما صلاهما بالشعب حيث ما صلاهما جمع بينهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية