أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
تأويل قول الله تعالى : ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) الآية .

قال الله جل ثناؤه : ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) .

قال أحمد : فكان ظاهر هذه الآية على أن الإفاضة الأولى من عرفات ، وعلى أن الإفاضة الثانية من المشعر الحرام ، لأنه قال عز وجل : ( فاذكروا الله عند المشعر الحرام ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) ، غير أنا وجدنا أهل العلم تأولوا ذلك على إفاضة واحدة ، وكانت هذه الآية عندهم من المحكم المتفق على المراد به ، وجعلوا قوله عز وجل : ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) ، في معنى : وأفيضوا من حيث أفاض الناس وقالوا : قد تجعل ثم في موضع الواو ، وكما قال الله عز وجل : ( وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون ) .

[ ص: 173 ] فكان قوله عز وجل : ( ثم الله شهيد على ما يفعلون ) ، في معنى : والله شهيد على ما يفعلون .

وقالوا : إنما كان السبب في نزول هذه الآية ، فذكروا ما :

1484 - قد حدثنا محمد بن زكرياء بن يحيى أبو شريح ، قال حدثنا الفريابي ، قال حدثنا قيس بن الربيع ، عن جابر ، عن عكرمة ، قال : كانت قريش وخزاعة لا يفيضون إلا من الحرم ، لا يجاوزونه ، وكان سائر الناس يفيضون من عرفات ، فأمروا أن يفيضوا من حيث أفاض الناس .

1485 - وما قد حدثنا محمد بن زكرياء ، قال حدثنا الفريابي ، قال حدثنا قيس ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، قال : كانت قريش تفيض من جمع ، ويقولون : إنا حمس ، وكان سائر الناس يفيضون من عرفات ، فأمروا أن يفيضوا من حيث أفاض الناس .

1486 - وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو حنيفة ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، قال : كانت قريش لا تجاوز الحرم ، فأنزل الله عز وجل : ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) .

وقد روي عن جبير بن مطعم ما يدل على هذا المعنى أيضا .

1487 - حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، قال حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : ذهبت أطلب بعيرا إلى يوم عرفة ، فخرجت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة مع الناس ، فقلت : إن هذا من الحمس ، فما له خرج من الحرم ، يعني بالحمس قريشا ؟

وكانت قريش تقف بالمزدلفة ، ويقولون : نحن الحمس ، لا نجاوز الحرم .


التالي السابق


الخدمات العلمية