أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
قال : وينبغي لمن رمى جمرة العقبة في يوم النحر أن يحلق أو يقصر ، أيهما فعله كان به مؤديا للغرض الذي افترض عليه فيه .

قال الله جل ثناؤه : ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين ) ، غير أن الحلق أفضل من التقصير ، كما الوضوء مرتين مرتين أفضل من الوضوء مرة مرة ، وكما الوضوء ثلاثا أفضل من غير أن يكون التوضؤ مرة مرة مقصرا عن الفرض الذي كان عليه في وضوء الصلاة وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفضيله المحلقين على المقصرين ما :

1531 - قد حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال حدثنا عبد الله بن وهب ، أن مالكا ، حدثه عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : اللهم ارحم المحلقين قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : اللهم ارحم المحلقين قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : والمقصرين .

1532 - وما قد حدثنا أبو بكرة ، قال حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، قال حدثنا سفيان ، قال حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : اللهم اغفر للمحلقين قيل : يا رسول الله ، والمقصرين ؟ قال : اللهم اغفر للمحلقين قيل : يا رسول الله ، والمقصرين ؟ قال : والمقصرين .

1533 - وما قد حدثنا أبو بكرة ، قال حدثنا مؤمل ، قال حدثنا سفيان ، قال حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

[ ص: 190 ] ولم يكن ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لخاص من الناس في وقت بعينه كما :

1534 - قد حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي ، قال حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي إبراهيم الأنصاري ، قال حدثنا أبو سعيد الخدري ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر يوم الحديبية للمحلقين ثلاثا ، وللمقصرين مرة .

فكان ذلك القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الحديبية ، لا لسائر الناس سواهم ، لأنه لو كان قصد به إلى سائر الناس سواهم لكان ذلك دليلا على أن التقصير ليس يوفي عن الغرض الواجب ، وكيف يكون ذلك وقد قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحلاله من بعض عمره ؟ كما :

1535 - قد حدثنا أبو بكرة ، قال حدثنا أبو أحمد قال حدثنا سفيان ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، عن معاوية ، قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقصر بمشقص .

1536 - فلا يجوز أن يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فيه تقصير عن الفرض الذي لله عز وجل عليه فيه ، ولا شيئا لا يسع أمته الاقتداء به فيه إلا أن يكون من الأشياء التي خص بها دونهم .

فإن قال قائل : فما كان معنى تركه الترحم على المقصرين في مرتين قد ترحم فيهما على المحلقين ؟

[ ص: 191 ] قيل له : قد روي عن عبد الله بن عباس في ذلك ما :

1537 - قد حدثنا علي بن شيبة ، قال حدثنا يزيد بن هارون ، قال أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الحديبية : يرحم الله المحلقين . قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : يرحم الله المحلقين . قالوا : والمقصرين يا رسول الله قال : يرحم الله المحلقين . قالوا : والمقصرين يا رسول الله قال : والمقصرين . قالوا : يا رسول الله فما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم ؟ قال : لأنهم لم يشكوا .

ولم يكن ذلك الشك على الشك في الدين ، ولكنه كان على معنى قد بينه جابر بن عبد الله كما :

1538 - قد حدثنا عبيد بن محمد البزار ، قال حدثنا محمد بن يوسف أبو حمة قال حدثنا أبو قرة ، عن زمعة ، عن زياد بن سعد ، عن أبي الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله ، يقول : حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، وحلق رجال من أصحابه حين رأوه حلق ، وأمسك آخرون ، فقالوا : والله ما طفنا بالبيت ، فقصروا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحم الله المحلقين قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : رحم الله المحلقين قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : رحم الله المحلقين قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : والمقصرين .

فعقلنا بذلك أن الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهه من المقصرين لم يكن هو التقصير ، ولكنه كان وقوفهم عن الحلق وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم للمعاني الذي اطلعت له فعله فكان ذلك منهم كالذي كان من كراهة الناس للإحلال من الحج وتحويله إلى العمرة في حجة الوداع لما أمروا بذلك ، وكوقوفهم عن الإفطار في شهر رمضان في السفر لما أمروا بذلك في السفر حتى كره ذلك منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحتى عزم عليهم فحلوا ، وأفطروا .

التالي السابق


الخدمات العلمية