أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وأما أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن فكانوا لا يلتفتون في ذلك إلى النية ، ولا إلى التلبيد ، ولا إلى ما سواهما ، ويجعلون للمحرم بالحج بعد رميه جمرة العقبة الخيار في الحلق أو التقصير كما :

1543 - قد حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال حدثنا أبي ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، قال : قلت لأبي حنيفة أرأيت الرجل يلبد رأسه بصمغ أو بضفرة ، إن قصر ولم يحلق ، أيجزيه ذلك ؟ قال : نعم ، ولم يذكر في ذلك خلافا .

ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما اختلفوا فيه منه ، فوجدنا الحلق زائدا على التقصير ، كما الوضوء للصلاة مرتين أو ثلاثا زائدا على الوضوء للصلاة مرة وكان من نوى أن يتوضأ ثلاثا لم يرد بذلك فرضه على ما كان عليه قبل ذلك ، فالقياس على ما ذكرنا أن يكون كذلك من نوى أن يحلق في إحرامه ، لم يرد بذلك فرضه على ما كان عليه قبل ذلك ، ولم نر النيات توجب ما لم يكن واجبا قبلها ، أن لا ترى أن رجلا لو نوى أن يحج ، أو يعتمر ، أو يتصدق ، أو يعتق لم يجب بذلك عليه شيء فكذلك إذا نوى وهو حاج أو معتمر لم يجب عليه بذلك شيء ، فهذه حجة على من أوجب الحلق بالنية .

وأما ما روي عن عمر في التلبيد ، فيحتمل أن يكون أراد في ذلك أن على المحرم أن يرفق بشعره ، وهو لما لبده لا يستطيع أن يعيده إلى ما يستطاع تقصيره إلا بخلاف الرفق به في غسله إياه ، فأوجب عليه الحلق لذلك وكذلك إذا ضفره فلا يستطيع حله إلا بما يخاف عليه فيه العنف عليه ، فجعل عليه حلقه من أجل ذلك ، ليكون يحلق شعره وافرا بغير نتف منه لشيء منه قبل حلقه وتقصيره إياه ، وكذلك يقول فيمن خاف على شعره ما ذكرنا ، وقد كان لبده أو ضفره ، أنه ينبغي له أن يحلقه خوف ما ذكرنا من خلاف الحلق أو التقصير ، وليس في ذلك دليل على وجوب الحلق الذي لا يجزئ منه التقصير .

التالي السابق


الخدمات العلمية