أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وقد روي عن عبد الله بن عباس ، وعن عائشة ، أيضا ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه أخر طواف الزيارة إلى الليل ، كما :

1586 - قد حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال حدثنا سفيان الثوري ، قال حدثنا محمد بن طارق ، عن طاوس ، وأبي الزبير ، عن عائشة ، وابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر طواف الزيارة إلى الليل .

ولم نعلم اختلافا أن للحاج بعد رميه جمرة العقبة ، وبعد حلقه في يوم النحر أن ينفر إلى البيت في أي يومه ذلك شاء .

وأما اليومان اللذان بعد يومه ذلك من أيام النحر فإنا قد وجدنا حكمهما في حل الذبح فيهما كحكم يوم النحر في حل الذبح فيه ، فكان القياس عندنا أن ما كان مفعولا فيه من الطواف الذي ذكرنا فجائز أن يفعل فيهما :

وقد روي عن أبي أيوب الأنصاري ، وغيره من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على ما ذكرنا كما :

1587 - قد حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني أفلح بن حميد بن نافع ، أن أباه حدثه ، أنه كان مع أبي أيوب الأنصاري في رجال من [ ص: 210 ] الأنصار ، قال حميد : فلم يفض منا أحد إلا آخر أيام التشريق النفر الآخر ، إلا أحد معه أهله فيريد أن يتعجل لهم .

1588 - وكما قد حدثنا يوسف بن يزيد ، قال حدثنا يعقوب بن أبي عباد ، قال حدثنا حماد بن زيد ، عن أفلح بن حميد ، عن أبيه ، قال : خرجت مع أبي أيوب الأنصاري إلى الحج في رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يفض أحد منهم إلا رجل كانت معه امرأته ، فأحب أن يتعجل .

1589 - وكما قد حدثنا أبو بشر عبد الملك بن مروان الرقي ، قال حدثنا الفريابي ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، قال : لقد أدركت أقواما لو أمروا أن لا يشربوا الماء ما شربوه حتى تنقطع أعناقهم ، ولم يكونوا يزورون البيت إلا يوم النفر .

وأما ما ذكرنا من الاختلاف في وجوب الدم على مؤخر الطواف حتى تمضي أيام النحر ، ومن نفي الدم عنه ، فإنا قد وجدنا الأشياء المفعولة في الحج ، منها ما له وقت خاص يفعل فيه ، فإذا زال ذلك الوقت لم يفعل في غيره ، ووجب على تاركها الدم ، من ذلك رمي الجمار ، له وقت خاص ترمى فيه الجمار ، ولو تركها تارك ، حتى يمضي ذلك الوقت كان عليه دم مكانها ، ولم يؤمر برميها .

ومنها ما الدهر له وقت غير أنه يستحب من وقته ، خاص منه على ما سواه من بقية ، وفيه من ذلك السعي بين الصفا والمروة ، يستحب أن يكون مفعولا بعقب الطواف بالبيت ، ولو تركه تارك بعد طوافه بالبيت أياما كان عليه قضاؤه ، ولا دم عليه ، وكان طواف الزيارة إذا تركه تارك حتى تمضي أيام النحر أمر أن يطوفه فالقياس على ما ذكرنا أن لا يكون عليه من ذلك دم ، كما قال أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، لأنه قد فعله في وقته ، ولأن وقته الذي يفعل فيه لو كان قد خرج لما أمر أن يفعله في غير وقته كما لم يؤمر تارك رمي الجمار حتى خرج وقتها ، برميها في غير وقتها .

[ ص: 211 ] فالذي يفعل الشيء في وقته لا معنى لوجوب الدم عليه مع ذلك ، ولا يوجب تأخيره إياه عن الوقت المستحب فيه فعله فيه عليه الدم ، كما لم يوجب ترك الحاج السعي بين الصفا والمروة بعقب الطواف بالبيت عليه الدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية