أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وأما مالك بن أنس ، ومحمد بن إدريس الشافعي فكانا يذهبان إلى أن الإحصار الذي يوجب الحل للمحرم هو الإحصار بالعدو خاصة ، لا ما سواه من الأمراض وغيرها .

1680 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال قال مالك بن أنس : من أحصر بعدو ، فعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأما من أحصر بغير عدو ، فإنه لا يحل دون البيت .

والقياس عندنا في هذا الباب ما حكيناه عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وذلك أنا رأيناهم أجمعوا أن إحصار العدو يجب به للمحصر الإحلال كما يحل المحصر ، واختلفوا في المرض كما قد ذكرنا .

فوجدنا الرجل إذا كان يطيق القيام ، كان فرضه أن يصلي قائما ، فإن كان يخاف ، إن قام ، أن يعاينه العدو فيقتله ، أو كان قائما على رأسه فمنعه من القيام ، فكل قد أجمع أنه قد حل له أن يصلي قاعدا ، وأنه قد سقط عنه فرض القيام وأجمعوا أنه لو أصابه مرض أو زمانة ، فمنعه ذلك من القيام ، أنه قد سقط عنه فرض القيام ، وحل له أن يصلي قاعدا ، فكان ما أبيح له في صلاته بالضرورة من العدو أبيح له في صلاته بالضرورة في المرض ورأينا الرجل إذا حال العدو بينه وبين الماء في سفره ، سقط عنه فرض الماء ، وتيمم ، وصلى وكذلك لو كانت به علة يضرها الماء ، سقط عنه فرض التوضؤ بالماء ، وتيمم ، وصلى فكانت هذه الأشياء المعذور فيها بالعدو والأمراض في سقوط الفروض في الصلوات سواء ، فالقياس على ذلك أن يكون كذلك في حرمة الحج .

[ ص: 251 ] فقال قائل : فما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كسر أو عرج فقد حل ، أعلى أنه إذا كسر أو عرج فقد حل وخرج من حرمة الإحرام ؟ أو على غير ذلك ؟ .

فقيل له : معناه عندنا في ذلك - والله أعلم - أي فقد حل له أن يحل ، كما قد يقال للمرأة الحرام على الأزواج بالاعتداد من الوفاة والطلاق ، ومما سواهما ، إذا انقضت عدتها : قد حلت للأزواج ، ليس على معنى أنها قد حلت لهم بغير عقود يأتنفونها عليها ، ولكن قد حلت لهم بعقود يأتنفونها عليها تكون لهم بها إحلالا ، فكذلك فقد حل ، أي فقد حل له أن يحل بمعنى يأتنفه ، يعود به حلالا والدليل على صحة هذا التأويل إن عبد الله بن عباس قد صدق الحجاج بن عمرو الأنصاري على هذا الحديث ، ثم قال من رأيه في الإحصار ما قد رويناه عنه في هذا الباب .

قال أبو جعفر : واختلف أهل العلم في المحصر بالحج ، متى يذبح عنه الهدي ؟ ومتى يحل بذبح الهدي عنه ؟ فكانت طائفة منهم تقول : في أي أيام العشر ذبح عنه أجزأه ، وحل به من الحرمة التي كان فيها وممن قال ذلك منهم أبو حنيفة ، كما قد حدثنا محمد بن العباس ، قال حدثنا علي بن معبد ، قال حدثنا محمد بن الحسن ، قال أخبرنا يعقوب ، عن أبي حنيفة ، بذلك .

وطائفة منهم تقول لا ينحر عنه الهدي دون يوم النحر ، ولا يحل حتى ينحر عنه يومئذ وممن كان يقول بهذا القول منهم أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، كما قد حدثنا محمد بن العباس ، قال حدثنا علي بن معبد ، قال حدثنا محمد بن الحسن ، عن أبي يوسف بذلك وكما قد حدثنا محمد بن العباس ، قال حدثنا علي بن معبد ، عن محمد ، بذلك .

ولما اختلفوا في ذلك ، وكان الحاج غير المحصر لا يحل بالأفعال التي يفعلها دون يوم النحر ، كان القيام أيضا عندنا أن لا يحل بما جعل بدلا منها ، إذا كان محصرا دون يوم النحر .

التالي السابق


الخدمات العلمية