أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
واختلفوا في المحصر الذي ذكرنا في الحج الذي لم يكن واجبا عليه قبل دخوله فيه ، وفي العمرة التي لم تكن واجبة عليه قبل دخوله فيها .

فقالت طائفة منهم : عليه قضاء الحج ، وقضاء العمرة جميعا وممن قال ذلك منهم أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن كما قد حدثنا محمد بن العباس ، عن علي ، عن محمد ، أبي يوسف ، عن أبي حنيفة ، وعن علي ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، وعن علي ، عن محمد بذلك .

[ ص: 256 ] وقالت طائفة منهم لا قضاء عليه في ذلك وممن قال ذلك منهم مالك بن أنس كما حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، عن مالك بذلك .

ولما اختلفوا في ذلك على ما ذكرنا وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الحجاج بن عمرو الأنصاري : من كسر أو عرج فقد حل ، وعليه حجة أخرى ، كان ذلك دليلا على ما قال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد في ذلك مع ما قد رويناه عن عبد الله بن مسعود في فتياه الذين سألوه عن اللديغ بذات التنانين أو بذات الشقوق : أن عليه عمرة من قابل .

وأما قوله عز وجل : ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) ، وأن المذكور في هذه الآية من الصيام ، ومن الصدقة ، ومن النسك مما لم يبين الله عز وجل لنا فيها ، ولا فيما سواها من كتابه ، عدد ذلك الصوم ، ومقدار تلك الصدقة وجنسها ، وذلك النسك ، وبينه لنا عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كما :

1686 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قراءة منه علينا ، قال حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد المكي ، قال حدثنا مسلم بن خالد ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، قال حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه وقمله يتساقط على وجهه ، فقال : أيؤذيك هوامك ؟ . قال : نعم فأمره أن يحلق وهو بالحديبية ، ولم يبين لهم أنهم يحلون بها وهم على طمع أن يدخلوا مكة ، فأنزل الله عز وجل الفدية ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم فرقا بين ستة مساكين ، أو يهدي شاة ، أو يصوم ثلاثة أيام .

فبين لنا في هذا الحديث أن الصوم ثلاثة أيام ، وأن النسك شاة ، وأن الطعام فرق غير أنه لم يبين لنا ما مقدار الفرق ، ولا صنف الطعام فالتمسنا ذلك في غير هذا الحديث فوجدنا .

[ ص: 257 ] 1687 - محمد بن خزيمة ، قد حدثنا ، قال حدثنا حجاج بن منهال ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عليه وهو يحتش تحت قدر له ، والقمل يتناثر من رأسه ، وهو محرم ، قال : أيؤذيك هوام رأسك ؟ . قال : نعم قال : فاحلق رأسك ، وإن شئت فانسك نسكه ، وإن شئت فصم ثلاثة أيام ، وإن شئت فاطعم ثلاثة أصواع من تمر ستة مساكين .

قال أحمد : هكذا روى حماد بن سلمة هذا الحديث ، عن داود ، عن الشعبي ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب .

وأما يزيد بن زريع فرواه عن داود ، عن الشعبي ، عن كعب ، ولم يذكر عبد الرحمن بن أبي ليلى كما :

1688 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا يزيد بن زريع ، قال حدثنا داود ، عن الشعبي ، عن كعب بن عجرة ، قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، ولي وفيرة فيها هوام ، من بين أصل كل شعرة إلى فرعها قمل وصئبان ، فقال : إن هذا لأذى ؟ قلت : أجل يا رسول الله ، شديد قال : معك دم ؟ قلت : لا قال : فإن شئت فصم ثلاثة أيام ، وإن شئت فتصدق بثلاثة أصواع من تمر بين ستة مساكين ، كل مسكينين صاع .

هكذا رواه يزيد بن زريع عن داود ، لم يذكر فيه ابن أبي ليلى ، وقد بين فيه أن الصدقة ثلاثة أصواع من تمر ، وبدأ فيه بذكر الدم ، وجعل التخيير في الصنفين الباقيين بعده .

وقد روى وهب بن خالد هذا الحديث عن داود ، كما رواه يزيد بن زريع في إسناده ، فلم يذكر فيه ابن أبي ليلى ، وقال فيه عن الشعبي ، قال : حدثني كعب بن عجرة كما :

[ ص: 258 ] 1689 - حدثنا نصر بن مرزوق ، قال حدثنا الخصيب بن ناصح ، قال حدثنا وهيب بن خالد ، عن داود بن أبي هند ، عن عامر الشعبي ، قال حدثني كعب بن عجرة ، قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية ، وعلي وفرة وسان من أصل كل شعرة إلى فرعها قملا وصئبانا ، فقال : إن هذا لأذى ؟ قلت : نعم قال : فاحلق ، واذبح ، أو صم ثلاثة أيام ، أو تصدق بثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين .

ففي هذا الحديث التخيير من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بين الأصناف الثلاثة المذكورة في هذه الآية ، وفيه أيضا أن الثلاثة الآصع المذكورة في حديثه من التمر كما في حديثي حماد ، ويزيد ، عن داود .

وقد روى هذا الحديث أبو قلابة ، عن أبي ليلى ، عن كعب ، فذكر أن الثلاثة الآصع التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه من التمر كما :

1690 - حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، قال حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ، قال حدثنا عبد الوهاب ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن ابن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم على زمن الحديبية ، وأنا كثير الشعر ، فقال : كأن هوام رأسك يؤذيك ؟ . قال : قلت : أجل قال : فاحلقه ، واذبح نسيكة ، أو صم ثلاثة أيام ، أو تصدق بثلاثة آصع تمرا بين ستة مساكين .

ففي هذا الحديث تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم كعبا بين هذه الأصناف الثلاثة أيضا ، وفيه أيضا أن الآصع الثلاثة من التمر وقد روي هذا الحديث أيضا عن عبد الله بن معقل ، عن كعب ، فذكر فيه تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه بين النسك والصيام والإطعام ، غير أنه قال فيه : أو أطعم ستة مساكين ، كل مسكين نصف صاع حنطة .

1691 - كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا بشر بن عمر الزهراني ، [ ص: 259 ] قال حدثنا شعبة ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، قال : سمعت عبد الله بن معقل ، يقول : قعدت إلى كعب بن عجرة في المسجد ، فسألته عن هذه الآية : ( ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) فقال : في أنزلت ، حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : ما كنت أرى الجهد بلغ بك هذا ، أو بلغ بك ما أرى ، فنزلت في خاصة ، ولكم عامة ، فأمرني أن أحلق رأسي ، وأنسك نسيكة ، أو أصوم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، كل مسكين نصف صاع حنطة .

ففي هذا الحديث تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه واحدا من هذه الأصناف ، وفيه أن الثلاثة الآصع من الحنطة ، وقد روى الثوري هذا الحديث عن ابن الأصبهاني ، .

1692 - كما حدثنا أبو بكرة ، قال حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، قال حدثنا سفيان الثوري ، عن ابن الأصبهاني ، عن عبد الله بن معقل ، عن كعب بن عجرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، غير أنه قال : أو أطعم فرقا بين ستة مساكين .

فالتخيير في هذا الحديث كما هو في حديث شعبة ، عن ابن الأصبهاني وقد روى زكرياء بن أبي زائدة هذا الحديث عن ابن الأصبهاني كما :

1693 - حدثنا روح بن الفرج ، قال حدثنا يوسف بن عدي ، قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن زكرياء بن أبي زائدة ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، قال : حدثني عبد الله بن معقل ، أن كعب بن عجرة ، حدثه أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم محرما ، فقمل رأسه ولحيته ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسل إلي الحلاق ، فحلق رأسي ، ثم قال له : هل عندك نسك ؟ فقال : ما أقدر عليه ، فأمره بصوم ثلاثة أيام ، [ ص: 260 ] أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين صاع ، فأنزل الله عز وجل فيه خاصة : ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) ، فكانت للمسلمين عامة .

ففي هذا الحديث تبدئة رسول الله صلى الله عليه وسلم النسك ، وتخييره كعبا بعد إخباره إياه أنه لا يقدر على النسك ، بين الصنفين الآخرين .

وقد روى أبو عوانة هذا الحديث عن ابن الأصبهاني على هذا المعنى أيضا .

1694 - كما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج بن منهال ، قال حدثنا أبو عوانة ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن عبد الله بن معقل بن مقرن ، قال : كنا جلوسا في المسجد ، فجلس إلينا كعب بن عجرة ، فقال : في نزلت هذه الآية : ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ) قال : قلت له : كيف كان شأنك ؟ قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمين ، فوقع القمل في رأسي ولحيتي وشاربي حتى وقع في حاجبي ، فذكر ذلك رجل للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما كنت أرى بلغ منك هذا ، ادع الحلاق ، فدعي الحلاق ، فحلق رأسه ، قال : هل تجد من نسيكة ؟ قال : قلت : لا قال : فصيام ثلاثة أيام ، أو إطعام ثلاثة أصوع ، بين كل مسكينين صاع .

قال : فأنزلت في خاصة ، وهي للناس عامة .


وقد روى مالك بن أنس هذا الحديث عن عبد الكريم بن مالك الجزري ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، فزاد فيه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على مراده من الأصناف الثلاثة ما اختاره كعب منها .

1695 - كما حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، قال حدثنا الشافعي ، قال أخبرنا مالك ، عن عبد الكريم بن مالك الجزري ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأذاه القمل في رأسه ، فأمره رسول [ ص: 261 ] الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه ، قال : صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، كل مسكين مدين مدين ، أو انسك شاة ، أي ذلك فعلت أجزأ عنك .

قال الشافعي : غلط مالك في الحديث ، الحفاظ حفظوه عن عبد الكريم ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، والذي ذكرناه في حديث حماد بن سلمة ، عن داود ، عن الشعبي ، عن كعب : إن شئت فانسك نسيكة ، وإن شئت فصم ثلاثة أيام ، وإن شئت فأطعم ثلاثة أصواع من بين ستة مساكين ، مثل هذا أيضا غير أنا نظرنا فيما ذكره الشافعي من غلط مالك في هذا الحديث لم نجد له أصلا ، ووجدنا الحفاظ قد رووه عن مالك ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد ، عن ابن أبي ليلى ، فوقفنا بذلك على أن الغلط كان من الشافعي ، أو كان مالك غلط فيه في الوقت الذي سمعه منه الشافعي ، وقد كان قبل ذلك أو بعد ذلك حدث به صحيحا فممن رواه عن مالك ، لا غلط فيه ، عبد الله بن وهب ، .

1696 - كما حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا ، حدثه عن عبد الكريم بن مالك ، عن مجاهد ، عن ابن أبي ليلى ، عن كعب ، ثم ذكر مثل حديث الشافعي سواء .

ومنهم القعنبي ، فرواه عن مالك كذلك ، .

1697 - كما حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا القعنبي ، قال : قرأت على مالك ، عن عبد الكريم بن مالك ، عن مجاهد ، عن ابن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، فذكر مثل ذلك أيضا .

وقد روى هذا الحديث جماعة ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد ، أيضا ، منهم عبد الله بن عمرو .

[ ص: 262 ] 1698 - كما حدثنا يونس ، قال حدثنا علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم بن مالك ، عن مجاهد أبي الحجاج ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، فذكر مثل حديث الشافعي ، غير أنه لم يقل : أي ذلك فعلت أجزأك .

وقد روى هذا الحديث عن مجاهد جماعة هذا المعنى أيضا ، منهم حميد بن قيس .

1699 - كما حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قالا : حدثنا الشافعي ، قال أخبرنا مالك ، عن حميد بن قيس ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لعله آذاك هوامك ؟ قلت : نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احلق رأسك ، وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو انسك شاة ، .

1700 - وكما حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا ، حدثه عن حميد ، فذكر بإسناده مثله ، .

1701 - وكما حدثنا يزيد ، قال حدثنا القعنبي ، قال : قرأت على مالك ، عن حميد بن قيس ، فذكر مثله ، .

1702 - وكما حدثنا محمد بن عبد الحكم ، قال أخبرنا أشهب بن عبد العزيز ، قال حدثنا مالك ، أن حميد بن قيس ، حدثه ثم ذكر بإسناده مثله .

ومنهم ابن أبي نجيح :

1703 - فحدثنا إسماعيل بن يحيى ، قال حدثنا الشافعي ، قال أخبرنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن أبي ليلى ، عن كعب ، مثله .

[ ص: 263 ] ومنهم أيوب السختياني :

1704 - فحدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، عن أيوب ، عن مجاهد ، فذكر بإسناده مثله .

ومنهم سيف بن سليمان :

1705 - فحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو حذيفة ، عن سفيان ، عن سيف ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب ، قال : مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أوقد تحت قدر لي ، وأنا بالحديبية ، فقال : أيؤذيك هوام رأسك ؟ . قال : نعم قال : احلق ونزلت هذه الآية : ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) ، فالصيام ثلاثة أيام ، والصدقة ستة مساكين بينهم فرق ، والنسك شاة .

ومنهم ابن عون .

1706 - فحدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا سعيد بن سفيان الجحدري ، قال حدثنا ابن عون ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، أنه قال : في أنزلت هذه الآية ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ادن ، فدنوت ، قال ابن عون : أظنه ثلاث مرات ، ثم قال : أيؤذيك هوامك ؟ . قال : أظنه قال : نعم فأمرني بصيام أو صدقة أو نسك ما تيسر .

ومنهم أبو بشر .


1707 - فحدثنا يزيد ، قال حدثنا أبو داود ، قال حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، قال : كنا مع رسول الله [ ص: 264 ] صلى الله عليه وسلم بالحديبية ، وقد حبسنا المشركون عن البيت ، ولي وفرة ، فجعلت الهوام تقع على وجهي ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيؤذيك هوامك ؟ فقلت : نعم قال : فاحلق رأسك ، وصم ثلاثا ، أو أطعم ستة مساكين ، أو انسك نسكا .

وقد روى هذا الحديث أيضا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، على هذا المعنى ، ربيعة بن أبي عبد الرحمن .

1708 - كما حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري ، قال حدثنا ابن أبي مريم ، قال حدثنا الإمامي عبد الرحمن بن عبد العزيز من ولد سهل بن حنيف ، قال : حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مولى الأنصار ، عن كعب بن عجرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على وجهه دواب ، فقال : إني أراك يا كعب قد آذاك هوام رأسك . قال : أجل ، والله يا رسول الله فقال : احلق رأسك ، وأطعم ستة مساكين ، أو انسك شاة .

ولم يذكر في هذا الحديث الصيام .

وقد روى يحيى بن جعدة ، عن كعب هذا الحديث بالتخيير أيضا .

1709 - كما حدثنا يزيد ، قال حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، قال : حدثني عمرو بن دينار ، عن يحيى بن جعدة ، عن كعب بن عجرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن عجرة أن يحلق رأسه من القمل ، وقال : صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين مدين مدين ، أو اذبح .

وقد روى هذا الحديث أيضا ، عن كعب ، محمد بن كعب القرظي بالتخيير أيضا .

1710 - كما حدثنا يونس ، قال حدثنا عبد الله بن نافع ، قال : حدثني أسامة بن زيد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن كعب بن عجرة ، قال كعب : أمرني رسول الله [ ص: 265 ] صلى الله عليه وسلم حين آذاني القمل أن أحلق رأسي وأصوم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، وقد علم أنه ليس عندي ما أنسك به .

وقد روى هذا الحديث أيضا على هذا المعنى عطاء الخراساني ، عن رجل لم يسمه ، عن كعب .

1711 - كما حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا ، حدثه عن عطاء بن عبد الله الخراساني ، قال : أخبرني شيخ بسوق البرم بالكوفة ، عن كعب بن عجرة ، أنه قال : جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنضج تحت قدر لأصحابي ، وقد امتلأ رأسي ولحيتي قملا ، فأخذ بجبهتي ، وقال : احلق هذا ، وصم ثلاثة ، أو أطعم ستة مساكين .

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أنه ليس عندي ما أنسك به .

ولم يذكر في هذا الحديث النسك .

وإنما احتجوا إلى كشف أمور التخيير في هذه الآثار ، وإنما كان في كتاب الله عز وجل من ذلك ما وجهه وجه التخيير ، لأنه قد يحتمل أن يكون مثل ذلك على ما لا تخيير فيه ، كما قال عز وجل في قطاع الطريق : ( أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ) ، فلم يكن ذلك عند كثير من أهل العلم على التخيير ، بل كان على مراتب بعضها بعد بعض فاحتجنا إلى كشف ما ذكرنا لهذا المعنى ، وإنما كان تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بين الهدي ، وإن كان قد علم أنه لا يقدر عليه ، وبين ما سواه مما في الآية ، لأن الآية لم يرد بها كعب خاصة ، إنما أريد بها الناس جميعا ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم تبيان حكمها للناس جميعا ، فذكر الأصناف التي يخيرون بينها .

[ ص: 266 ] وأما ما ذكرنا من اختلافهم عن كعب في الآصع ، فروى بعضهم عنه أنها من الحنطة ، وروى بعضهم أنها من التمر ، فإنهم لم يختلفوا أن عليه قبل أدائها كفارة ، وأجمعوا أنه إذا أدى عنها ثلاثة آصع من حنطة أنها مجزئة ، وأن الكفارة عنه ساقطة .

واختلفوا فيه إذا أدى عنها ثلاثة آصع من تمر ، فقال بعضهم : يجزئ كما تجزئ الحنطة وممن قال ذلك منهم الشافعي وقال بعضهم : لا يجزئ مما يجزئ منه الحنطة وممن قال ذلك منهم أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد فكان الأولى بنا أن لا تسقط عنه الكفارة إلا بما يجمعون على إسقاطها به عنه ، كما قال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن في ذلك .

وأما قوله عز وجل : ( فإذا أمنتم ) ، فالمراد بذلك عندنا - والله أعلم - فإذا خرجتم مما كنتم فيه من الإحصار .

التالي السابق


الخدمات العلمية