أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وأما قوله عز وجل : ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ) ، فالمراد من ذلك عندنا - والله أعلم - أن الإحصار بالحجة يبيح لصاحبها البعثة بالهدي ، والإحلال إذا بلغ الهدي محله ، فإذا بلغ محله حل ووجب عليه حجة مكان الحجة التي صد عنها لخروجه منها ، ولإحلاله له منها قبل تمامها ، كما يجب على الذي يفوته الحج من الإحلال بالحجة التي فاتته بعمرة .

فإن قال قائل : فقد رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عكرمة مولى ابن عباس ، عن الحجاج الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : من كسر أو عرج فقد حل ، وعليه حجة أخرى ، ولم يذكر في ذلك عمرة ؟ .

قيل له : ليس في حديث الحجاج هذا للعمرة ذكر كما ذكرت ، ولكن فيه أن عكرمة ذكر ذلك لابن عباس ، وأبي هريرة ، عن الحجاج الأسلمي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصدقا الحجاج على ذلك ، فصار ذاك الحديث عن عكرمة ، عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، والحجاج الأسلمي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قد روى سعيد بن جبير [ ص: 267 ] عن عبد الله بن عباس ما يدل على وجوب العمرة عنده على المحصر بالحج بعد إحلاله منه ببلوغ الهدي محله كما :

1712 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال أخبرنا يوسف بن عدي ، قال حدثنا أبو معاوية محمد بن حازم ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، في قول الله عز وجل : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ، قال : هي في قراءة عبد الله وأتموا الحج والعمرة إلى البيت لا يجاوز بالعمرة البيت .

قال : ( فإن أحصرتم ) إذا أهل الرجل بالحج فأحصر ، بعث بما استيسر من الهدي شاة ، فإن هو عجل قبل أن يبلغ الهدي محله ، فحلق رأسه ، أو مس طيبا ، أو تداوى ، كان عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك ، الصيام ثلاثة أيام ، والصدقة ثلاثة آصع على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، والنسك شاة .

قال : ( فإذا أمنتم ) قال : يقول : إذا برأ ، فمضى من وجهه ذلك حتى يأتي البيت ، حل من حجته بعمرة ، وكان عليه الحج من قابل ، وإن هو رجع ، ولم يتم من وجهه ذلك إلى البيت ، كان عليه حجة ، وعمرة ، ودم لتأخير العمرة .

فإن خرج متمتعا في أشهر الحج كان عليه من ما استيسر من الهدي شاة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله .

قال لي إبراهيم : آخر الصيام ثلاثة أيام في الحج ، يوم عرفة قال إبراهيم : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير ، فقال : هكذا قال ابن عباس في هذا الحديث كله .

هكذا حدثنا يوسف بن يزيد ، عن يوسف بن عدي ، عن أبي معاوية وأما أبو بشر عبد الملك بن مروان الرقي ، فحدثناه عن أبي معاوية مختصرا .

[ ص: 268 ] 1713 - حدثنا أبو بشر الرقي ، قال حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، في قوله عز وجل : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ، قال : هي في قراءة عبد الله وأتموا الحج والعمرة إلى البيت .

قال : لا يجاوز بالعمرة ما البيت .

قال : فإذا أهل الرجل بالحج فحوصر ، بعث ما استيسر من الهدي شاة ، فإن هو عجل قبل أن يبلغ الهدي محله ، فحلق رأسه ، أو مس طيبا ، أو تداوى ، كان عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك ، والصيام ثلاثة أيام ، والصدقة ثلاثة آصع على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، والنسك شاة ( فإذا أمنتم ) ، يقول : إذا برأ ، فمضى من وجهه ذلك حتى يأتي البيت حل من حجه بعمرة ، وكان عليه الحج من قابل ، وإن هو رجع ، ولم يتم من وجهه ذلك إلى البيت كان عليه حجة ، وعمرة ، ودم بتأخيره .

وأما يحيى بن سعيد القطان ، فروى هذا الحديث عن الأعمش .

1714 - كما حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا يحيى بن سعيد ، قال حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، ( وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم ) ، قال : إذا أحصر الرجل بعث بالهدي ، ( ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ) ، فلا يحلق حتى يبلغ الهدي محله ، ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) ، الصيام ثلاثة أيام ، فإن عجل ، فحلق قبل أن يبلغ الهدي محله ، فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك ، صيام ثلاثة أيام ، أو صدقة يتصدق على ستة مساكين ، والنسك شاة ، فإذا أمن مما كان به ، ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ) ، فإن مضى من وجهه ذلك فعليه حجة ، وإن أخر العمرة إلى آخر العمرة إلى قابل ، فعليه حجة ، وعمرة ، وما استيسر من الهدي ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ، آخرها يوم عرفة ، ( وسبعة إذا رجعتم ) .

[ ص: 269 ] قال : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير ، فقال : هذا قول ابن عباس ، وعقد بيده ثلاثين .

قال أحمد : ولا يكون ذلك عندنا - والله أعلم - إلا على أن الذي حكاه عكرمة ، عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، والحجاج الأسلمي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مستكملا لجميع الواجب على المحصر بالحج عند ابن عباس ، ولم يكن ابن عباس ليزيد على ما حدثه عكرمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك إلا ما يجب له زيادته عليه .

وأما قوله عز وجل : ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) ، والمراد بذلك عندنا - والله أعلم - أن من تمتع من المحصرين بالحج بالعمرة التي وجبت عليه ، إلى الحجة التي يقضيها بدلا من حجته التي أحصرها ، وحل منها على وجه التمتع التي ذكرنا فيما قبل هذا الباب من كتابنا هذا ، كان عليه ما استيسر من الهدي ، كما يكون على من تمتع بالعمرة إلى الحج ممن لم يكن ذلك واجبا عليه فيما قبل .

التالي السابق


الخدمات العلمية