أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
فإن قال قائل : ففي حديث عبادة الذي ذكرت الشرك ، فتكون العقوبة على الشرك كفارة من الشرك قيل له : ليست العقوبة على الشرك كفارة للشرك ، وقوله صلى الله عليه وسلم : من أصاب منها شيئا ، ليس على كل ما فيها ، إنما هو على بعض ما [ ص: 292 ] فيها كما قال جل وعز : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) ، وإنما يخرج من أحدهما ، لا منهما جميعا ، وكما قال : ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) ، وإنما الرسل من الإنس خاصة ، لا من الجن ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : فمن أصاب منها شيئا ، هو على ما سوى الشرك منها .

فإن قال : وما الدليل على ذلك ؟ قيل له : قد روى هذا الحديث عن عبادة أبو الأشعث الصنعاني بما هو أدل على هذا المعنى مما رواه أبو إدريس عن عبادة عليه ، كما :

1740 - قد حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي ، قال حدثنا الفريابي ، عن الثوري ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن عبادة بن الصامت ، قال : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كما أخذ على النساء في القرآن : ( يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ) ، الآية فمن أصاب منكم حدا فعجلت عقوبته فهو كفارته ، ومن أخر عنه فأمره إلى الله عز وجل إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه .

فعقلنا بذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم : فمن أصاب منكم حدا ، أن ذلك الحد هو الأشياء التي دون الشرك ، فيما لها حدود جعلت كفارات لها لقوله صلى الله عليه وسلم : من أخر عنه فأمره إلى الله عز وجل ، إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له .

والشرك لا يدخل في هذا المعنى لقوله عز وجل : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) .

فلما كان الشرك خارجا من قوله : ومن أصاب من ذلك شيئا فأخر عنه ، كان أيضا خارجا من قوله : فمن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له .

1741 - وقد حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، قال حدثنا محمد بن إدريس [ ص: 293 ] الشافعي ، قال أخبرنا عبد الوهاب الثقفي ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث ، عن عبادة ، قال : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء ؛ أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا يعضه بعضكم بعضا ، ولا تعصوني في معروف أمرتكم به ، فمن أصاب منكم منهن واحدة ، فعجلت عقوبته ، فهو كفارته ، ومن أخرت عقوبته ، فأمره إلى الله عز وجل ، إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه .

سمعت المزني يقول : قال الشافعي : من كذب على أخيه فقد عضهه .

ففي هذا ما قد دل أن الشرك خارج مما أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : فمن أصاب منهن واحدة ، فعجلت عقوبته ، فهو كفارته ، إذ كان قد قال فيه : ومن أخرت عقوبته ، فأمره إلى الله عز وجل ، إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له ، والشرك مما لا يغفر .

فعلمنا بذلك أن الذنوب المقصود إلى أن إقامة عقوبتها على مصيبيها كفارة لها في هذا الحديث ، هي الذنوب التي يجوز أن تغفر دون الذنوب التي لا يجوز أن تغفر .

التالي السابق


الخدمات العلمية