أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وأما قوله عز وجل : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) ، فقد اختلف أهل العلم في المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها ، ماذا تنقضي به عدتها من وفاته ؟ .

فقال قوم : لا تنقضي عدتها إلا بآخر الأجلين من وضع حملها ، أو مضي أربعة أشهر وعشر عليها ورووا ذلك عن علي بن أبي طالب ، وابن عباس .

1822 - كما حدثنا نصر بن مرزوق ، قال حدثنا الخصيب ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن خلاس ، أن عليا ، قال : تعتد الحامل المتوفى عنها زوجها آخر الأجلين .

1823 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو داود الطيالسي ، عن شعيب ، قال : سمعت عبيد بن الحسن ، قال : سمعت ابن معقل ، يقول : شهدت عليا يسأل عن الحامل المتوفى عنها زوجها ، فقال : تعتد آخر الأجلين .

فقيل له : إن أبا مسعود البدري يقول : لتبتغي بنفسها ، فقال : إن فروجا لا تعلم [ ص: 336 ] شيئا فبلغ ذلك أبا مسعود ، فقال : بلى ، إني لأعلم أن الآخر فالآخر سر .

1824 - حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال حدثنا سعيد بن منصور ، قال حدثنا هشيم ، قال أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار ، عن ابن عباس ، أنه قال : المتوفى عنها زوجها تنتظر آخر الأجلين ، يعني إذا كانت حاملا .

وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : عدتها أن تضع حملها ، فإذا وضعت فقد حلت ورووا ذلك عن عمر بن الخطاب ، وابنه عبد الله ، وابن مسعود ، وأبي هريرة ، وأبي مسعود البدري .

فأما ما رووه عن أبي مسعود البدري فقد دخل في حديث إبراهيم الذي ذكرناه وأما الآخرون فإن يونس :

1825 - حدثنا ، قال حدثنا سفيان ، عن الزهري ، سمع سالما ، يقول : سمعت رجلا ، يقول لأبي ، سمعت أباك ، يقول : إذا وضعت الحامل المتوفى عنها زوجها ذا بطنها ، وزوجها على السرير ، فقد حلت .

1826 - حدثنا صالح ، قال حدثنا سعيد ، قال أخبرنا هشيم ، قال حدثنا يحيى ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان يقول : إذا وضعت فقد حلت فقال له رجل من الأنصار : سمعت عمر بن الخطاب ، يقول : إذا وضعت ما في بطنها وزوجها على السرير قبل أن يدلى في حفرته فقد انقضت عدتها .

1827 - حدثنا نصر بن مرزوق ، قال حدثنا الخصيب ، قال حدثنا حماد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : إن ولدت المرأة بعد وفاة زوجها بيوم فقد حلت .

[ ص: 337 ] فهذا ما روي عن عمر ، وابن عمر ، وأما ابن مسعود ، وأبو هريرة فسنذكر ما روي عنهما في بقية هذا الباب إن شاء الله ، غير أنه روي عن ابن مسعود خلاف لهذا القول وموافقة لمذهب علي وابن عباس .

فلما اختلفوا هذا الاختلاف وجب أن ننظر فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هل فيه ما يدل على واحد من هذين المذهبين ؟ فنظرنا في ذلك فإذا يونس :

1828 - قد حدثنا ، قال حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، حدثه ، أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة ابنة الحارث ، فيسألها عن حديثها ، وعما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استفتته ، فكتب عمر إلى عبد الله : أن سبيعة أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة ، وهو من بني عامر بن لؤي ، وكان ممن شهد بدرا ، فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل ، فلم تمكث أن وضعت حملها بعد وفاته ، فلما تعالت من نفاسها تجملت للخطاب ، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك ، رجل من بني عبد الدار ، فقال لها : مالي أراك متجملة ، لعلك تريدين النكاح ؟ إنك والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر قالت سبيعة : فلما قال ذلك جمعت على ثيابي حين أمسيت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألته عن ذلك ، فأفتاني أني قد حللت حين وضعت حملي ، وأمرني بالتزويج إن بدا لي .

1829 - حدثنا إبراهيم ، قال حدثنا يحيى بن حماد ، قال أخبرنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن أبي السنابل بن بعكك ، أن سبيعة بنت الحارث وضعت بعد وفاة زوجها بثلاث وعشرين أو خمس وعشرين ليلة ، فتشوفت للنكاح ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن تفعل فقد خلا أجلها ، .

[ ص: 338 ] 1830 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن جناد البغدادي ، قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الطالقاني ، قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي ، عن الأعمش ، ومنصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن أبي السنابل ، مثله .

1831 - حدثنا يحيى بن عثمان ، قال حدثنا نعيم ، قال أخبرنا ابن المبارك ، قال حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن المسور بن مخرمة ، أن سبيعة توفي عنها زوجها ، فولدت بعد وفاته بيسير ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح .

1832 - حدثنا ابن أبي داود ، قال حدثنا الوهبي ، قال حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبي سلمة ، قال : دخلت على سبيعة ابنة الحارث ، وكان زوجها سعد بن خولة توفي عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، قالت : فلما مضى شهران بعد موته وضعت ، فخطبني أبو السنابل بن بعكك أحد بني عبد الدار ، فتهيأت لنكاحه ، فدخل على حموي ، وقد كان يريدني ، فقال : ما لك يا سبيعة قد تهيأت للنكاح ؟ قالت : قلت ، أجل قال : كلا والله إنه لآخر الأجلين فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة ، فذكرت ذلك له ، فقال : نعم ، تزوجي ، .

1833 - حدثنا ابن أبي داود ، قال حدثنا عباس بن الوليد الرقام ، قال حدثنا عبد الأعلى ، قال حدثنا ابن إسحاق ، فذكر بإسناده مثله .

قال أبو سلمة : فبينا أنا جالس مع ابن عباس ، ومعي أبو هريرة ، إذ دخل رجل يسأل عن ذلك ، فقال ابن عباس : آخر الأجلين .

قال قلت : قد حلت قال : فقال أبو هريرة أنا مع ابن أخي أقول كما قال .

[ ص: 339 ] قال : فقال ابن عباس : ولم فعلت ؟ فقال : هذه سبيعة حية لم تمت ، تخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بالتزويج وهي في بيت أم سلمة .

قال : فبعث مولى له إلى أم سلمة يسألها عن ذلك ، وقال : إن هذا لشيء ما سمعت به ، فرجع إليه مولاه من عند أم سلمة أن : نعم ، قد كان ذلك في بيتي حين أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك .


1834 - حدثنا الحسين بن نصر البغدادي ، قال حدثنا محمد بن يوسف الفريابي ، قال حدثنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار ، عن كريب ، عن أم سلمة ، قالت : توفي زوج سبيعة ابنة الحارث ، فوضعت بعد وفاته بأيام ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزوج .

1835 - حدثنا ابن أبي داود ، قال حدثنا محمد بن المنهال ، قال حدثنا يزيد بن زريع ، عن حجاج الصواف ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، قال : اختلف ابن عباس وأبو هريرة في المرأة إذا وضعت ، فأرسل ابن عباس غلاما له يقال له : كريب ، إلى أم سلمة يسألها عن ذلك ، فقالت أم سلمة إن سبيعة ابنة الحارث وضعت بعد وفاة زوجها بعشرين ليلة ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمرها أن تتزوج .

1836 - حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا يوسف بن عدي ، قال حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن ابن عباس ، قال : عدة الحامل المتوفى عنها زوجها آخر الأجلين إذا وضعت حملها .

قال أبو هريرة : فأرسلنا إلى سبيعة فأخبرتنا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها إذا وضعت أن تنكح .


1837 - حدثنا يونس ، قال حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني مالك ، عن عبد [ ص: 340 ] ربه بن سعيد ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أنها قالت : ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بنصف شهر ، فخطبها رجلان أحدهما كهل والآخر شاب ، فخطب إلى الشاب ، وقال الكهل : لم تحل ، وكان أهلها غيبا ، ورجا إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها ، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : قد حللت ، انكحي من شئت ، .

1838 - حدثنا يونس ، قال حدثنا ابن وهب ، قال حدثني ابن لهيعة ، عن بكر بن عبد الله ، عن بشر بن سعيد ، عن الطفيل بن أبي بن كعب ، أنه سمع أم الطفيل ، تذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فهذه الحجة قد قامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذهب إليه عمر ، وابن عمر ، ومن ذكرنا معهما وقد روي في ذلك وجه آخر يدخل في هذا الباب .

1839 - كما حدثنا يحيى بن عثمان ، قال حدثنا نعيم ، قال حدثنا ابن المبارك ، قال حدثنا حماد ، عن ابن عون ، عن محمد ، قال : جلست إلى مجلس فيه عظم من الأنصار ، وفيهم عبد الرحمن بن أبي ليلى ، فذكر حديث عبد الله بن عتبة في شأن سبيعة ، فقال عبد الرحمن بن أبي ليلى : ولكن عمه لا يقول ذلك ، فقلت : إني لجريء أن أكذب عن رجل في جانب الكوفة ، ورفعت صوتي ، قال : ثم خرجت فلقيت مالك بن عامر ، ومالك بن عوف ، فقلت : كيف كان قول ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها وهي حامل ؟ قال : فقال عبد الله : أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة ؟ أنزلت سورة القصرى بعد الطولى .

1840 - حدثنا سليمان بن شعيب ، قال حدثنا عبد الرحمن الثقفي ، قال حدثنا زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود ، ومسروق ، وعبيدة ، عن عبد الله ، قال : عدة المطلقة من حين تطلق ، والمتوفى عنها زوجها من حيث يتوفى ، ومن شاء قاسمته ، [ ص: 341 ] أو كما قال ، أن سورة النساء القصرى أنزلت بعد البقرة .

1841 - حدثنا أبو أمية ، قال حدثنا شريح بن النعمان ، وأحمد بن إسحاق الحضرمي ، قالا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عبد الله ، قال : من شاء حالفته أن سورة النساء القصرى أنزلت بعد أربعة أشهر وعشر ، يقول الله عز وجل : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) .

1842 - حدثنا محمد بن حميد بن هشام ، قال حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال حدثنا محمد بن جعفر ، قال حدثنا ابن شبرمة الكوفي ، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، قال : من شاء لاعنته ، ما نزلت : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) ، إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها ، إذا وضعت المتوفى عنها فقد حلت يريد بآية المتوفى عنها : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن ) ، الآية .

وكان الذي ذهب إليه ابن مسعود من هذا أن قول الله عز وجل : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) ، قد أتى على كل معتدة حامل ، فدخلت في ذلك المتوفى عنها زوجها .

ولما اختلفوا في ذلك أردنا أن نستخرج الحكم من طريق النظر ، وإن كان الذي رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيعة كافيا من ذلك ، فوجدنا المطلقة التي ليس بحامل ، وهي ممن تحيض ، تعتد ثلاثة قروء كما قال الله عز وجل : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) الآية ورأيناها إذا كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر [ ص: 342 ] اعتدت ثلاثة أشهر كما قال الله عز وجل : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ) .

ورأينا المتوفى عنها زوجها إذا لم تكن حاملا اعتدت أربعة أشهر وعشرا كما قال الله عز وجل : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) ورأيناها إذا كانت حاملا فمضت عليها أربعة أشهر وعشر ، ولم تضع ، فكل قد أجمع أنها لا تحل حتى تضع حملها ، فدل إجماعهم على ذلك أن قوله عز وجل : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) قد نسخ من قوله عز وجل : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) الحوامل ودل أن المتوفى عنها زوجها الحامل ، لا معنى لمرور الأيام عليها ، وأن المراعى به انقضاء عدتها ، أو فراغ رحمها بوضع حملها كهي لو كانت مطلقة فثبت بما ذكرنا ما روي عن عمر ، ومن ذكرنا معه ممن تابعه على قوله ، وهو قول مالك ، وأبي حنيفة ، وسفيان ، وزفر ، وأبي يوسف ، ومحمد ، والشافعي ، وعامة أهل العلم خلا من ذكرنا ممن روي عنه خلاف ذلك ، وخلاف من تابعهم ممن تأخر من أهل العلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية