أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
قال الله عز وجل : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) ، فاختلف أهل العلم في الأقراء المذكور في هذه الآية ما هي .

فقالت طائفة منهم : هي الأطهار التي تكون من الحيض وممن قال ذلك منهم مالك ، والشافعي ، وغيرهما من أهل العلم ، وقد روي ذلك عن زيد بن ثابت ، وابن عمر على اختلاف روي عنهما في ذلك مما سنذكره إن شاء الله ، وعن عائشة مما لا نعلم عنها في ذلك اختلافا .

1912 - حدثنا يونس ، قال حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سليمان بن يسار ، عن زيد بن ثابت ، قال : إذا طلقت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد برئت منه .

1913 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال حدثنا ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب ، قال : قضى زيد بن ثابت في المطلقة إذا طعنت في الحيضة الثالثة أنها قد برئت منه .

قال ابن شهاب : وأخبرني بذلك عروة ، عن عائشة .

1914 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا ، أخبره ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، أنها انتقلت حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة .

قال ابن شهاب : فذكرت ذلك لعمرة ، فقالت : صدق عروة ، قد جادلها في ذلك الناس ، وقالوا : إن الله عز وجل قال : ( ثلاثة قروء ) فقالت لهم عائشة : أتدرون ما الأقراء ؟ إنما الأقراء الأطهار .

[ ص: 373 ] 1915 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا ، أخبره ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه قال : إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه ، وبرئ منها ، ولا ترثه ، ولا يرثها هكذا حدثنا يونس في موطإ مالك ، .

وأما ما حدثنا في موطإ ابن وهب :

1916 - فحدثنا ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمر بن محمد العمري ، ومالك بن أنس ، وعبد الله بن عمر ورجال من أهل العلم ، أن نافعا ، أخبرهم ، عن عبد الله بن عمرو ، عن زيد بن ثابت ، ثم ذكر مثله سواء .

1917 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا وهب ، قال حدثنا شعبة ، عن عبد ربه بن سعيد ، عن نافع ، أن معاوية كتب إلى زيد يسأله ، وكتب : أنها إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت منه .

قال نافع : وكان ابن عمر يقوله .

1918 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا ، أخبره ، قال قال ابن شهاب : سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن ، يقول : ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول هذا ، يريد الذي قالت عائشة يعني : الأقراء : الأطهار .

وقالت طائفة : الأقراء : الحيض
وممن قال ذلك أبو حنيفة ، والثوري ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، ومعاذ ، وأبي الدرداء ، وأبي موسى ، وزيد بن ثابت ، وابن عمر رضي الله عنهم .

1919 - حدثنا علي بن شيبة ، قال حدثنا يزيد بن هارون ، قال حدثنا سفيان ، [ ص: 374 ] عن سعيد ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، أن رجلا طلق امرأته فحاضت حيضتين ، فلما حاضت الثالثة ودخلت المغتسل أتاها زوجها ، فقال : قد ارتجعتك ، قد ارتجعتك ، ثلاثا ، فارتفعا إلى عمر ، فأجمع عمر ، وعبد الله على أنه أحق بها ما لم تحل لها الصلاة ، فردها عمر عليه .

1920 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا سفيان ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن علي ، قال : زوجها أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة ، .

1921 - حدثنا المزني ، قال حدثنا الشافعي ، قال حدثنا سفيان ، قال : أخبرني منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عمر ، وعبد الله رضي الله عنهما ، مثله ، .

1922 - حدثنا المزني ، (قال) حدثنا الشافعي ، قال : سمعت سفيان ، يحدث عن أيوب السختياني ، عن الحسن بن أبي الحسن ، عن أبي موسى ، بمثل معناه .

1923 - حدثنا ابن أبي داود ، قال حدثنا الوهبي ، قال حدثنا محمد بن راشد ، عن مكحول ، أنه قدم المدينة فذكر له سليمان بن يسار ، أن زيد بن ثابت كان يقول : إذا طلق الرجل امرأته ، فرأت أول قطرة من دم حيضتها الثالثة ، فلا رجعة له عليها فسألت عن ذلك بالمدينة ، فبلغني أن عمر ، ومعاذا ، وأبا الدرداء كانوا يجعلون له عليها الرخصة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة .

1924 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا ، أخبره ، عن نافع ، أن ابن عمر ، كان يقول : إذا طلق العبد امرأته اثنتين فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أو أمة ، وعلى الحرة ثلاث حيض ، وعدة الأمة حيضتان .

[ ص: 375 ] فهذا ابن عمر قد قال في هذا خلاف ما روينا عنه في الفصل الأول .

1925 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال حدثني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني قبيصة بن ذؤيب ، أنه سمع زيد بن ثابت ، يقول : الطلاق إلى الرجل ، والعدة إلى المرأة ، إن كان الرجل حرا وكانت المرأة أمة ثلاث تطليقات ، وتعتد عدة الأمة حيضتين ، وإن كان عبدا وامرأته حرة طلق طلاق العبد تطليقتين ، واعتدت الحرة ثلاث حيض ، .

فهذا خلاف ما رويناه عن زيد في الفصل الأول ولما اختلفوا في الأقراء المرادة في هذه الآية التي تلونا ، وكانت الأقراء اسما جامعا في اللغة تقع على الحيض دون الطهر ، وتقع على الطهر دون الحيض ، وتقع عليهما جميعا ، فيقال لكل واحدة من هذه المعاني الثلاثة : قرء كما حدثنا محمود بن حسان النحوي ، قال حدثنا عبد الملك بن هشام ، عن أبي زيد النحوي ، عن أبي عمرو بن العلاء ، قال : من العرب من يسمي الحيض قرءا ، ومنهم من يسمي الطهر قرءا ، ومنهم من يجمعهما جميعا فيسمي الحيض مع الطهر قرءا فأما ما ذكرنا من تسميتهم الحيض قرءا فقد جاء ذلك بلغة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

1926 - كما حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال حدثنا يحيى بن عيسى ، قال حدثنا الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عروة ، عن عائشة ، أن فاطمة ابنة أبي حبيش أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله إني أستحاض فلا ينقطع عني الدم ، فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها ، ثم تغتسل ، وتتوضأ لكل صلاة ، ثم تصلي وإن قطر الدم على الحصير قطرا .

فإن قال قائل : قد أنكر سفيان على يحيى بن آدم احتجاجه عليه به ، وقال له حين احتج عليه به : قد جئتني بأحاديث حبيب بن أبي ثابت ، عن عروة .

قيل له : هذا كلام ما ندري ما معناه غير أن حبيبا حجة ، إمام في العلم ، قد روى عمن هو أسن من عروة ، قد روى عن ابن عمر ، وابن عباس ، ولا نعلم أحدا دفعه عن [ ص: 376 ] ذلك ، ولا عن غيره من حديثه ، غير ما ذكر عن سفيان فيما حكيناه عنه ، ولم يقف على وجهه ، ولا على السبب الذي أنكره على يحيى من أجله ثم قد رواه عن عروة ، عن ابن حبيب كما :

1927 - حدثنا نصر بن مرزوق ، قال حدثنا الخصيب بن ناصح ، قال حدثنا أبو عوانة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ، وتغتسل غسلا واحدا ، وتتوضأ لكل صلاة ، .

1928 - حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، قال حدثنا سهل بن بكار ، قال حدثنا أبو عوانة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

1929 - حدثنا الربيع المرادي ، قال حدثنا شعيب بن الليث ، قال حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير بن عبد الله ، عن المنذر بن المغيرة ، عن عروة بن الزبير ، أن فاطمة ابنة أبي حبيش حدثته ، أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشكت إليه الدم ، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما ذلك عرق يطرأ ، إذا أتاك قرء فصلي ، وإذا مر القرء فتطهري ، ثم صلي من القرء إلى القرء ، .

1930 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال حدثنا أبو الأسود ، قال حدثنا الليث ، وذكر مثل حديث الربيع ، عن شعيب في إسناده ومتنه مع أنه قد وجدنا غير عروة قد روى هذا الحديث عن عائشة على مثل ما رواه عروة عنها .

1931 - حدثنا محمد بن النعمان ، قال حدثنا الحميدي ، قال حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، قال : حدثني ابن الهاد ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عروة ، عن عائشة ، أن أم حبيبة ابنة جحش كانت تحت عبد الرحمن بن عوف ، وأنها استحيضت حتى لا تطهر ، فذكرت شأنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ليست [ ص: 377 ] بالحيضة ولكنها ركضة من الرحم ، لتنظر قدر قرئها الذي كانت تحيض له فلتترك ، ثم لتنظر ما بعد ذلك فلتغتسل عند كل صلاة وتصلي .

فهذه أحاديث كثيرة متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما في حديث حبيب عن عروة بما ذكرنا ، ولا نعلم وجها يجب أن ينكر به هذا الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية