أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وقد ذكرنا فيما تقدم من كتبنا هذه في المناسك في فدية الأذى مقدار ما يطعمه كل مسكين ، فأغنانا ذلك عن إعادته هاهنا .

وقد احتج أهل المقالة الأولى لمقالتهم في مقدار إطعام المساكين بحديث أوس بن الصامت الذي ذكرناه في أول هذا الباب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخولة : مريه فليذهب إلى فلان فقد أخبرني أن عنده شطر وسق ، فليأخذه صدقة عليه ، ثم يتصدق به على ستين مسكينا .

وبحديث يوسف بن عبد الله بن سلام فيما تقدم من هذا الباب عن خولة ، أن زوجها ظاهر منها ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت آية الظهار ، فأمره أن يكفر قبل أن يواقع بخمسة عشر صاعا على ستين مسكينا .

وكان من الحجة عليهم في ذلك أن هذين الحديثين قد رويا هكذا ، وقد روي في حديث أبي إسحاق ، عن يزيد بن زيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمره بإطعام ستين مسكينا قال : تالله ما عندي إلا أن تعينني ، فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا والمعاونة على الشيء إنما هي ببعضه لا بكله فهذا الحديث مما قد ذكرناه فيما تقدم ، وهو مخالف للحديث الآخر ، وأما حديث يوسف بن عبد الله بن سلام فقد روي كما ذكرناه في هذا الباب ، وقد روي بزيادة على ذلك كما :

[ ص: 404 ] 1962 - حدثنا فهد ، قال حدثنا فروة بن أبي المغراء ، قال حدثنا يحيى بن زكرياء ، عن محمد بن إسحاق ، عن معمر بن عبد الله ، عن يوسف بن عبد الله بن سلام ، قال : حدثتني خولة ابنة مالك بن ثعلبة ابن أخي عبادة بن الصامت ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعان زوجها حين ظاهر منها بعرق من تمر ، وأعانته هي بعرق آخر ، وذلك ستون صاعا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تصدق به ، واتقي الله ، وارجعي إلى ابن عمك .

فهكذا كان أهل المقالة الثانية يقولون : ما يطعم فيه من التمر كل مسكين صاعا ، يطعم فيه من الحنطة كل مسكين نصف صاع فأما حديث سلمة بن صخر الذي رواه محمد بن إسحاق ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سليمان بن يسار ، عن سلمة بن صخر ، هو دليل على هذا المعنى ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له فيه : انطلق إلى صاحب صدقة بني زريق ، فمره فليدفع إليك صدقتهم ، فأطعم وسقا ستين مسكينا ، وأنفق سائره عليك وعلى عيالك .

وقد رواه بكير بن الأشج ، عن سليمان بن يسار بغير هذا المعنى .

1963 - كما حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشج ، عن سليمان ، أن رجلا من بني زريق يقال له : سلمة بن صخر ، وكان قد أوتي حظا من الجماع ، فلما دخل عليه شهر رمضان تظاهر من امرأته حتى ينقضي شهر رمضان ، فاشتكى عينيه ، فأتته امرأته بمكحلة في القمر ، فأعجبه بعض ما رأى منها فوقع عليها ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : أنت بذلك يا سلمة ؟ قلت : نعم قال : فأعتق رقبة قال : ما أملك غير رقبتي قال : فصم شهرين متتابعين قال : ما عمل يعمل الناس أشق علي من الصيام قال : فأطعم ستين مسكينا قال : ما أجد شيئا .

قال : فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر ، فأعطاه إياه ، وهو قريب من [ ص: 405 ] خمسة عشر صاعا ، فقال : صدق بهذا فقال : يا رسول الله ، أعلى أفقر مني ومن أهلي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كله أنت وأهلك .


فإن كان هذا الحديث في ذلك هو ما رواه محمد بن إسحاق ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سليمان ، كما ذكرنا ، فذلك دليل على ما يقول أهل المقالة الثانية وإن كان أصل الحديث كما رواه بكير ، فإن في ذلك دليلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعطه الذي أعطاه على أنه جميع الذي عليه ، وأنه إنما كان منه على المعونة منه إياه فيما عليه ولا يجب في الحكم عندنا زوال كفارة متفق على وجوبها إلا باتفاق على زوالها ، إذ كان مثل هذا لا يقال استنباطا ولا قياسا ، وكان المظاهر إذا أطعم ما يقول أهل المقالة الثانية سقط عن فرض الكفارة في قولهم وفي قول أهل المقالة الآخرين ، وإذا أطعم ما يقول أهل المقالة الأولى لم تسقط الكفارة عنه في قول أهل المقالة الثانية ، فكان قول أهل المقالة الثانية أولى بنا ، إذ كان فيه سقوط الواجب بلا اختلاف .

وعلى المظاهر ألا يماس أهله في كل معنى من هذه الثلاثة المعاني من الكفارات حتى يجيء بالمعنى الذي عليه منها .

التالي السابق


الخدمات العلمية