أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وإذا كان اللعان كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعد وضع الحمل ، لم يخل ذلك اللعان من أحد معنيين ، أحدهما : أن يكون اللعان كان بالقذف خاصة ، فهذا ما لا اختلاف فيه بين أهل العلم .

والآخر : أن يكون بالحمل بعدما بانت حقيقته ، ووقف عليها منه بوضع المرأة إياه ، فهذا مما لا حجة فيه لمن قال أنه يلاعن بينهما قبل وضع الحمل وقد روي عن أنس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما :

1976 - قد حدثنا أبو بكرة ، قال حدثنا وهب بن جرير بن حازم ، قال حدثنا هشام ، عن محمد يعني : ابن سيرين ، عن أنس بن مالك ، أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظروها ، فإن جاءت به أبيض سبطا قصى العينين فهو لهلال بن أمية ، وإن جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء .

[ ص: 419 ] قال : فجاءت أكحل جعدا أحمش الساقين .


1977 - حدثنا فهد بن سليمان ، قال حدثنا محمد بن كثير ، عن مخلد بن حسين ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن أنس ، أن هلال بن أمية قذف شريك بن سحماء بامرأته ، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ائت بأربعة شهداء ، وإلا فحد في ظهرك قال : والله يا رسول الله إن الله يعلم أني لصادق ، يقول ذلك مرارا ، ولينزلن الله عليك ما يبرئ به ظهري من الجلد ، فنزلت آية اللعان : ( والذين يرمون أزواجهم ) .

قال : فدعي هلال فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، والخامسة لأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين .

قال : ثم دعيت المرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، فلما كان عند الخامسة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قفوها ، فإنها موجبة للعذاب .

قال : فتكأكأت حتى ما شككنا أن ستقر ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم ، فمضت على اليمين .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظروا ، فإن جاءت أبيض سبطا قصى العينين فهو لهلال بن أمية ، وإن جاءت به جعدا حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء .

قال : فجاءت به آدم جعدا حمش الساقين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا ما سبق من كتاب الله عز وجل كان لي ولها شأن .


قال : القصى العينين : طويل شق العينين ، ليس بمفتوح العينين .

وقد روى سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما :

1978 - قد حدثنا الربيع المرادي ، قال حدثنا خالد بن عبد الرحمن الخراساني ، [ ص: 420 ] قال حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن سهل ، أن عويمرا جاء إلى عاصم ، فقال : أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله ، أتقتلونه به ؟ سل يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فجاء عاصم فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة وعابها ، فقال عويمر : والله لآتين النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ، وقد أنزل الله خلاف قول عاصم ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : قد أنزل فيكم قرآنا ، فدعاهما ، فتقدما ، فتلاعنا ، ثم قال : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ففارقها وما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقها ، فجرت سنة في المتلاعنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظروها ، فإن جاءت به أحمر قصيرا مثل وحرة فلا أراه إلا وقد كذب عليها ، وإن جاءت به أسحم أغبر ذا أليتين فلا أحسبه إلا قد صدق عليها .


فجاءت به على الأمر المكروه .

1979 - حدثنا الربيع بن سليمان الأزدي الجيزي ، قال حدثنا أسد بن موسى ، قال حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن سهل ، فذكر مثل حديث الربيع المرادي عن خالد .

ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فلا أراه إلا وقد كذب عليها ، ولا أراه إلا وقد صدق عليها ، في الموضعين ، وهذا خلاف ما في غيره ، وهذا عندنا - والله أعلم - أولى بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه كان من سنته أن لا ينتفى الولد ببعد شبهه ممن ولد على فراشه كما :

1980 - حدثنا يونس ، قال حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، [ ص: 421 ] ومالك ، وسفيان ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة ، أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن امرأتي قد ولدت غلاما أسود ، وإني أنكرته فقال : هل لك من إبل ؟ قال : نعم قال : ما ألوانها ؟ قال : حمر قال : فيها من أورق ؟ قال : إن فيها لورقا قال : فأنى ترى ذلك جاءها ؟ قال : يا رسول الله عرق نزعها قال : فلعل هذا عرق نزعه .

1981 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء .

أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرخص له في نفيه عنه لبعد شبهه به ، وضرب له المثل الذي ضربه في هذا الحديث ، فاستحال بذلك عندنا - والله أعلم - أن يكون الولد الذي ولدت امرأة هلال يكون لهلال لشبهه به أو لشريك لشبهه به .

ولما عقلنا أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهو لشريك بن سحماء ، في الموضع الذي قاله من هذا الحديث ، ليس على أنه نسب منه ، لأنه ليس بذي فراش للمرأة التي ولدته ، دل ذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم ذلك ، وما قاله لهلال من إضافته الولد إلى كل واحد منهما بالشبه به ، لم يكن على تحقيق إثبات نسب ، وإنما كان على غيره على ما ذكره عنه سهل في حديثه هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية