أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وقالت طائفة : إلى الحكمين إذا أقامهما الإمام مقام التحكيم ، أن يفرقا إذا رأيا ذلك ، جعله الزوج أو لم يجعله وقد روي هذا عن ابن عباس كما :

2009 - حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي ، وعلي بن عبد الرحمن بن المغيرة ، قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في قوله عز وجل : ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ) : فهذا الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما ، فأمر الله عز وجل أن يبعثوا رجلا صالحا من أهل الرجل ، ورجلا مثله من أهل المرأة ، فينظران أيهما المسيء ، فإن كان الرجل هو المسيء حجبا عنه امرأته ، وقصراه على النفقة وإن كانت المرأة هي المسيئة قصروها على زوجها ، ومنعوها النفقة فإن أجمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز .

[ ص: 444 ] قال أحمد : وليس لواحد منهما في ذلك إمضاء شيء مما بعثا له حتى يتابعه الآخر عليه وقد روي هذا عن علي كما :

2010 - حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي ، قال حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن الحجاج ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ، قال : إذا حكم أحد الحكمين ولم يحكم الآخر فليس حكمه بشيء حتى يجتمعا .

وقد روي عن جماعة من التابعين اختلاف فيما ذكرنا ، مما اختلف فيه علي ، وابن عباس فمن ذلك ما :

2011 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال حدثنا سعيد ، قال حدثنا هشيم ، قال أخبرنا حصين ، عن الشعبي ، أن امرأة نشزت على زوجها ، فاختصما إلى شريح ، فقال شريح : ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فبعثوا ، فنظر الحكمان في أمرهما ، فرأيا أن يفرقا ، فكره ذلك الرجل ، فقال شريح : فيم كانا هذا اليوم ؟ وأجاز قولهما :

2012 - حدثنا يوسف ، قال حدثنا سعيد ، عن هشيم ، قال أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، قال : سمعت الشعبي ، يقول : ما حكم الحكمان من شيء فهو جائز إن فرقا وإن جمعا .

2013 - حدثنا يوسف ، قال حدثنا سعيد ، عن هشيم ، عن عبيدة ، عن إبراهيم ، مثل ذلك .

2014 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا وهب بن جرير ، قال حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، قال : سألت سعيد بن جبير عن الحكمين ، فقال لم أدرك إذ ذاك فقلت : إنما أسألك عن الحكمين اللذين في القرآن قال : يبعث بحكم من أهله وحكم من [ ص: 445 ] أهلها ، فيكلمان أحدهما ، ويعظانه ، فإن رجع وإلا كلما الآخر ، فإن رجع وإلا حكما ، فما حكما من شيء فهو جائز .

2015 - حدثنا روح بن الفرج ، قال حدثنا يوسف بن عدي ، قال حدثنا أبو الأحوص ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في قول الله عز وجل : ( إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) ، قال : هما حكمان ، وما حكما من شيء جاز .

2016 - حدثنا ابن أبي مريم ، قال حدثنا الفريابي ، قال حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ) : إن خافوا أن لا تطيعه ، ولا تواتيه ، ولا يتركها ، فإن لم يصطلحا اختلعت ، وقبل منها مالها ، وليس الخلع إلا في مثل هذا .

فقول مجاهد : فإن لم يصطلحا اختلعت دليل على أن الخلع إليهما ، لا إلى الحكمين ، وإذا كان الخلع إليهما كان الطلاق الذي يجب به إذا كان أحرى أن يكون إلى الزوج ، لا إليهما فهذا مخالف لما ذكرنا قبله عن التابعين الذين روينا عنهم إجازة قول الحكمين .

2017 - حدثنا أحمد بن الحسن الكوفي ، قال حدثنا أسباط بن محمد ، قال حدثنا أشعث ، عن الحكم ، قال : إذا حكم الحكمان فاختلفا فلا حكم لهما ، فيجعل غيرهما ، وما حكما من شيء جاز .

قال أحمد : ولا ينبغي للإمام أن يبعث في مثل هذا إلا العدلين في شهادتهما ، [ ص: 446 ] العالمين بالأحكام فيما يبعثهما فيه حتى يكون ما يمضي من أمرهما في ذلك على سداد واستقامة .

ولما اختلفوا في ذلك كما ذكرنا عن علي وابن عباس فكان الطلاق يوجب حل النكاح ، ولم نجد الله عز وجل جعل ذلك في كتابه إلى غير الأزواج ، ثبت بذلك عندنا - والله أعلم - أن لا يخرج عن الزوج ما قد جعله الله عز وجل إليه ، إلى الحكمين إلا بإخراجه ذلك إليهما .

فإن قال قائل : فقد رأينا اللعان يتولاه الحاكم بين الزوجين ، فيوجب الفرقة بينهما بالسبب الذي يجب به مما قد ذكرنا من أقوال العلماء بغير طلاق من الزوج ، فأمر الحكمين اللذين ذكرنا في التفريق يكون إلى الحكمين حتى يزيلا النكاح الذي بينهما :

قيل له : أن اللعان الذي ذكرت فإنا وجدنا الزوجين لو رضيا بعد مضيه بينهما أن يقيما على النكاح لم يكن ذلك لهما :

وكان على الإمام التفريق بينهما ، لأنهما يقيمان على معنى لا يجوز اجتماعهما معه على النكاح حتى يردا ذلك المعنى عنهما والزوجان اللذان بعث الحكمان في أمرهما ، لو أجمعا بعد نظر الحكمين في أمورهما بالإقامة على ما هما عليه لم يأخذهما الإمام بالفرقة ، وكان ما فعلاه واسعا لهما فدل ذلك أن اللعان يحرم اجتماع المتلاعنين ، وأن الشقاق الذي ذكرنا ، والنظر الذي يكون من الحكمين لا يحرم عليهما الاجتماع . فإذا كان كذلك لم تكن الفرقة بعد ذلك إلا بما كانت تكون به قبله ، وبالله التوفيق .

[ ص: 447 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية