أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وقد ذكر قوم أنهم استدلوا بقول الله - عز وجل - : ( هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ) على المنع من جماع المستحاضة ، لأن الأذى موجود فيها كما هو موجود في الحائض ، وممن روى عن إبراهيم النخعي .

166 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : " المستحاضة لا تصوم ولا يأتيها زوجها ولا تقرأ في المصحف " . [ ص: 125 ]

وخالفه في ذلك أكثر أهل العلم سواه ، فأباحوا جماع المستحاضة ولم يجعلوها بالدم الذي بها كالحائض ، وممن روي ذلك عنه بكر بن عبد الله المزني .

167 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن حميد ، قال : قيل لبكر بن عبد الله المزني : إن الحجاج بن يوسف ، يقول : " إن المستحاضة لا يغشاها زوجها " فقال بكر : الصلاة أعظم حرمة ، يغشاها زوجها .

ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيه فوجدنا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على ما اختلفوا فيه منه .

168 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني عمرو بن الحارث ، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، ومالك ، والليث ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : قالت فاطمة ابنة أبي حبيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لا أطهر أفأدع الصلاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما ذلك عرق وليست بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة ، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي " .

169 - حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا المقري ، وحدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا أبو حنيفة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، أن فاطمة ابنة أبي حبيش أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إني أحيض الشهر والشهرين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن ذلك ليس بحيض ، وإنما ذلك عرق من دمك ، فإذا أقبل الحيض فدعي الصلاة ، وإذا أدبر فاغتسلي لطهرك ، ثم توضئي عند كل صلاة " [ ص: 126 ] .

170 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله ، غير أنه قال : " فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي .

171 - حدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا الحصيب بن ناصح ، وحدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا سهل بن بكار ، قالا : حدثنا أبو عوانة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها وتغتسل غسلا واحدا ، وتتوضأ لكل صلاة .

وفي هذا الباب آثار سنذكرها في باب الأقراء من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى .

172 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن نافع ، عن سليمان بن يسار ، عن أم سلمة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها ، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر ، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ، ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل " .

فلما منعت السنة الحائض من الصلاة أباحتها المستحاضة ، دل ذلك على أن حكم الحائض مخالف لحكم المستحاضة ، وأن المستحاضة في أحكام الطاهرات لا في أحكام الحيض .

فإن قال قائل : إنما منعناه من الجماع على الدم خاصة قيل له : قد رأيناك تبيح جماع الأبكار اللاتي لا تكون مجامعتهن خالية من الدم . فدل ذلك على أن الدم الذي هو أذى ويمنع من الجماع دم الحيض خاصة ، لا سائر الدماء سواه ، وهذا قول مالك ، وأبي حنيفة ، وسفيان ، وزفر ، وأبي يوسف ، ومحمد ، والشافعي ، وأكثر أهل العلم في إباحة جماع المستحاضة في أيام استحاضتها والله الموفق [ ص: 127 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية