أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وقد روي عن آخرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف هذين القولين ، وخلاف القولين اللذين ذكرناهما منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما :

2051 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن جابر بن سمرة ، عن عمر ، قال : إذا أدى النصف فهو غريم ، يعني المكاتب .

2052 - حدثنا ابن أبي داود ، قال حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ، قال حدثنا المسعودي ، عن القاسم ، عن جابر بن سمرة ، عن عمر ، أنه قال : أيها الناس ، إنكم تكاتبون مكاتبين ، فأيهم أدى النصف فلا رد عليه في الرق .

فهذا عمر قد جعل المكاتب حرا بأدائه نصف مكاتبته غير أنا وجدنا عنه خلاف هذا القول وإن كان منقطع الإسناد ، كما :

2053 - حدثنا علي بن شيبة ، قال حدثنا يزيد بن هارون ، قال أخبرنا ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن معبد الجهني ، عن عمر ، قال : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم .

ومنهم ابن مسعود ، روي عنه في ذلك ما :

2054 - حدثنا علي بن شيبة ، قال حدثنا يزيد ، قال أخبرنا سفيان الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال قال عبد الله : إذا أدى المكاتب ثلثا أو ربعا فهو غريم .

2055 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن جابر ، عن الشعبي ، قال : كان عبد الله ، وشريح ، يقولان في المكاتب : إذا أدى الثلث فهو غريم .

[ ص: 464 ] وقد روي عن ابن مسعود خلاف هذا ، وخلاف ما ذكرناه عن العلماء سواه فيما يعتق به من المكاتب كما :

2056 - حدثنا علي بن شيبة ، قال حدثنا يزيد ، قال أخبرنا سفيان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، قال قال عبد الله : إذا أدى المكاتب قيمة رقبته فهو غريم .

ومنهم جابر بن عبد الله ، فروي عنه ما :

2057 - حدثنا علي ، قال حدثنا يزيد ، قال أخبرنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : كان جابر ، يقول : شروطهم جائزة فيما بينهم ، يعني المكاتبين والمكاتبين .

فهذا جابر قد رد أمر عتاق المكاتبين إلى الشرائط التي يشترطونها على مواليهم في مكاتباتهم إياهم ولم يقف على ما كان يذهب إليه في المكاتبة إذا وقعت خالية من الشروط .

ولما اختلفوا في المكاتب ، وقالوا فيه من الأقوال ما وصفنا ، وانتفى قول من قال : إن المكاتب يعتق بعقد المكاتبة بما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثي أم سلمة ، وابن عباس اللذين رويناهما في هذا ، نظرنا في ذلك وفي سائر الأشياء التي لا تجب بالعقود ، وإنما تجب بحال أخرى تحدث بعدها ، كيف حكمها ؟

فرأينا الرجل يبيع الرجل العرض بالدراهم أو بما سواها مما يجوز به البيع ، فيكون من حق البائع احتباس المبيع حتى يقبض ثمنه ، فكل قد أجمع أن المشتري لا يستحق عليه قبض شيء من المبيع بدفعه إليه شيئا من الثمن ، وأن المشتري في دفعه بعض الثمن كهو لو لم يدفع إليه شيئا من الثمن ورأينا الرجل يرهن الرجل العرض بالمال له عليه ، فيكون من حق المرتهن احتباس الرهن بالدين ، وكل قد أجمع أن الراهن لا يستحق على المرتهن قبض شيء من الرهن بدفعه إليه شيئا من الدين الذي رهنه به ذلك الرهن ، وأن الراهن بعد براءته إلى المرتهن من بعض الدين في حكمه الذي كان عليه قبل براءته إليه من شيء من [ ص: 465 ] ذلك الدين فكان القياس على ذلك ما ذكرنا في الرهن والبيع اللذين وصفنا ، أن تكون الكتابة كهما ، وأن يكون المكاتب بعد براءته إلى مولاه من بعض المكاتبة في حكمه قبل براءته إليه من شيء منها فهذا هو القياس عندنا ، والله أعلم .

وفي ذلك دلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمنع من وجوب العتاق للمكاتب بعقد الكتابة سنذكرها فيما بعد من كتابنا إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية