أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
تأويل قول الله - عز وجل - : ( فإذا تطهرن ) الآية

قال الله - عز وجل - : ( فإذا تطهرن ) فلم يبين لنا ذلك الطهر ولا كيفيته ، وأما التطهير فكما في الحديث الذي قد رويناه في الباب الذي قبل هذا الباب عن مجاهد ، ولا نعلم في ذلك اختلافا ، وأما كيفيته فمبين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .

174 - حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن صدقة بنت شيبة ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : دخلت أسماء بنت سكن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، كيف تغسل إحدانا إذا طهرت من المحيض ؟ قال : " تأخذ سدرها وماءها فتوضأ وتغسل رأسها وتدلكه حتى يبلغ الماء شؤون شعرها ، ثم تفيض على جسدها ، ثم تأخذ من صبها أو فرصتها فتطهر بها " فقالت : يا رسول الله ، كيف أتطهر بها ؟ ، فقال : " تطهري بها " قالت عائشة : فعرفت الذي يكني عنه ، فقلت لها : تتبعي بها آثار الدم .

وهذا إذا كان الماء موجودا ، فأما إذا كان الماء معدوما فإن الله - عز وجل - قد بين لنا في الجنب في حال وجود الماء ما قد بينه لنا في كتابه ، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - في سننه مما ذكرناه في تأويل قول الله - عز وجل - : ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) ، وكان قد أوجب على الحائض عند طهرها من حيضها التطهر بقوله : ( فإذا تطهرن ) كما أوجب على الجنب التطهر بقوله : ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) ، وبين ذلك الطهر في الآية الأخرى بقوله - عز وجل - : ( ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) ، وبينت السنة أن [ ص: 129 ] الجنب يتيمم عند عدم الماء ، فلما كانت الحائض بعد انقطاع الدم عنها في وجوب الغسل عليها في حال وجود الماء كالجنب كانت كهو في حال عدم الماء ، وكما كان الصعيد خلفا له في الطهارة بالماء ، كان لذلك الصعيد خلفا لها في الطهارة بالماء ، وهذا قول مالك ، وأبي حنيفة ، وسفيان ، وزفر ، وأبي يوسف ، ومحمد ، والشافعي ، وأكثر أهل العلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية