تأويل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس  ) 
قال الله - عز وجل - : ( 
يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس  ) إلى قوله : ( 
إن شاء  ) فكان المشركون على ظاهر هذه الآية على كل من أشرك بالله ممن له عهد وذمة  
[ ص: 132 ] وانتحال كتاب ، وممن لا عهد له ولا ذمة ولا انتحال كتاب ، غير أن أهل العلم قد تنازعوا في المراد بالمشركين من هم ؟ فقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك  في آخرين ومن أهل 
المدينة   : المراد بذلك كل مشرك بالله - عز وجل - ، على ظاهر الآية ، فلا يخلى بين أحد منهم وبين دخول 
المسجد الحرام  الذي سمى الله - عز وجل - ، ولا غيره من مساجد الله التي لم يسمها فيها . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  في آخرين سواهم : المراد بالمشركين هو جميعهم على ظاهر الآية كما قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ،  إلا أنه قال : أخلي بينهم وبين دخول كل مسجد من مساجد الله - عز وجل - إلا 
المسجد الحرام  خاصة . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،   nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر ،   nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف ،  ومحمد :  المراد بالمشركين المذكورين فيها من ليس منهم ذا عهد ولا ذمة ، وسووا في ذلك بين 
المسجد الحرام  وبين ما سواه من سائر مساجد الله - عز وجل - . ورووا ذلك عن 
جابر .   183  - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15551أبو بكرة ،  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12063أبو عاصم ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  وحدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان ،  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15697حجاج بن محمد ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريح ،  قال : أخبرني 
 nindex.php?page=showalam&ids=11862أبو الزبير ،  أنه سمع 
جابرا ،  يقول في هذه الآية : ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام  )  : " إلا أن يكون عبدا أو أحدا من أهل الجزية " . 
فهذا محتمل أن يكون من التلاوة في قراءة 
جابر ،  ومحتمل أن يكون ليس منها ، ولكنه يعني به المراد فيها ، وعلى أي المعنيين كان ذلك فإن أهل الجزية والعبيد من أهل الكفار عنده غير داخلين في هذه الآية ولا نعلم أحدا من الصحابة خالف 
جابرا  في مذهبه هذا ، وهو الوجه عندنا والله أعلم وذلك أن من لاعهد له من الكفار مطلوبون بالزوال عن الكفر الذي هم فيه ، وبالقتل عليه أن يزولوا عنه ، فمن كانت هذه سبيله لم يخل بينه وبين دخول مساجد أهل الإسلام ، ومن كانت سبيله منهم خلاف ذلك فهو مخالف لهم في حكمهم ومخلى بينه وبين دخول ما يدخله المسلمون من مساجدهم ومما سواها . 
وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على هذا المعنى . 
 184  - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15551أبو بكرة ،  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود ،  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15767حميد ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ،  عن  nindex.php?page=showalam&ids=61عثمان بن أبي العاص ،  أن وفد ثقيف  لما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب لهم فيه في المسجد ، فقالوا : يا رسول الله ، قوم أنجاس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليس على الأرض من أنجاس الناس شيء ، إنما أنجاس الناس  [ ص: 133 ] على أنفسهم " ، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن 
النجاسة التي في الكفار المعدومة في المسلمين غير مفرقة بين أحكامهم وأحكام المسلمين في دخول المساجد والجلوس فيها  " . 
ولما اختلفوا في ذلك هذا الاختلاف وسارعوا في تأويل الآية التي تلونا هذا التنازع الذي ذكرناه عنهم ، نظرنا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل فيها شيء يدل على شيء من ذلك ؟ فإذا . 
 185  - 
 nindex.php?page=showalam&ids=13856إبراهيم بن أبي داود :  قد حدثنا ، قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=11931أبو اليمان الحكم بن نافع البهراني ،  قال : أخبرنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب بن أبي حمزة ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ،  قال : حدثني 
 nindex.php?page=showalam&ids=15769حميد بن عبد الرحمن ،  أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة ،  قال : " بعثني 
 nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر  ممن يؤذن في يوم النحر 
بمنى  ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ، ويوم الحج الأكبر يوم النحر ، والحج الأكبر الحج ، وإنما قيل الحج الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر ، فنبذ 
 nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر -  رضي الله عنه - إلى الناس في ذلك العام فلم يحج في العام القابل الذي حج فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - مشرك ، وأنزل الله - عز وجل - في العام الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين ( 
يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم  ) هذا إلى قوله : ( 
إن الله عليم حكيم  ) " . 
وكان المشركون يوافون بالتجارة فينتفع بها المسلمون ، فلما حرم الله - عز وجل - على المشركين أن يقربوا 
المسجد الحرام  وجد المسلمون في أنفسهم مما قطع عنهم من التجارة التي كان المشركون يوافون بها ، فقال الله - عز وجل - : ( 
وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء  ) ، فبما أجد في الآية التي تتبعها وهي الجزية ولم تكن توجد قبل ذلك ، فجعلها الله - عز وجل - عوضا مما منعهم من موافاة المشركين بتجارتهم ، فقال : ( 
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون  )  
[ ص: 134 ]  . 
فلما أحل الله - عز وجل - ذلك للمسلمين عرفوا أنه قد أعاضهم أفضل مما كانوا يأخذون عليه بما كان المشركون يوافون به من التجارة . 
وقد روي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد  في هذا المعنى ما : 
 186  - قد حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12256ابن أبي مريم ،  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي ،  قال : حدثنا 
ورقاء ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16406ابن أبي نجيح ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ،  في قوله : " ( إنما المشركون نجس  ) ، إلى قوله : ( 
فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء  ) قال : قال المؤمنون : " كنا نصيب من متاجر المشركين ، فوعدهم الله - عز وجل - أن يغنيهم من فضله عوضا لهم بأن لا يقربوا المسجد الحرام " . 
ففي هذه الآية مع أول براءة ومع آخرها في التأويل . 
وقد روي فيما أذن به في تلك الحجة بسبب نزول هذه الآية ما : 
 187  - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12391إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16553عثمان بن عمر بن فارس ،  وبشر بن ثابت البزار ،  قالا : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ،  عن 
المغيرة ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ،  nindex.php?page=hadith&LINKID=669170عن محرر بن أبي هريرة ،  عن أبيه ، أنه قال : " كنت مع  nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب  حيث بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنادى بأربع حتى صحل صوتي : أنه لا تدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد فإن أجله إلى أربعة أشهر ، فإذا مضت الأربعة أشهر ، فإن الله بريء من المشركين ورسوله " .  188  - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=11939ابن أبي داود ،  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15982سعيد بن سليمان الواسطي ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16285عباد بن العوام ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16006سفيان بن حسين ،  عن 
الحكم بن عيينة ،  عن 
مقسم ،  nindex.php?page=hadith&LINKID=665386عن  nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعث  nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر  وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات ، ثم بعث  nindex.php?page=showalam&ids=8عليا ،  فبينا  nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر  في بعض الطريق ، إذ سمع رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج  nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر  فزعا ، وظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا علي ،  فدفع إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمره على الموسم ، وأمر  nindex.php?page=showalam&ids=8عليا  أن ينادي بهؤلاء الكلمات ، فانطلقنا ، فقام علي  أيام التشريق ، فقال : " ذمة الله ورسوله بريئة من كل مشرك فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ، ولا يحجن بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن " قال : فكان علي  ينادي بها ، فإذا بح قام  nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة  فأذن بها " .  [ ص: 135 ] ففي هذه الآثار السبب الذي نزلت فيه هذه الآية ، وأنه منع المشركين من حج البيت مع المسلمين كما كانوا يحجون معهم قبل ذلك ، وأن المشركين المذكورين فيها هم عبدة الأوثان دون أهل الكتاب ، لأن الله - عز وجل - لما أعاض المسلمين مما كانوا يصيبونه من تجارات المشركين جزية أهل الكتاب ، عقلنا بذلك أن أهل الكتاب غير أولئك المشركين ، وعقلنا بذلك أن المشركين المذكورين فيها هم المشركون المذكورون في قوله - عز وجل - : ( 
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا  ) وعقلنا بالنداء الذي نودي به : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=654290 " لا يحجن بعد العام مشرك " ، أن قرب 
المسجد الحرام  الذي منعوا منه وقربة الحج الذي كانوا يحجونه ، لا غير ذلك.