أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
ولما كان الفرض في يوم الجمعة عند أهل العلم على مذهبين ، فقوم منهم يقولون : الفرض هو الجمعة لا الظهر ، وقوم يقولون : الفرض هو الظهر على حكمها في سائر الأيام غير أن على الناس الذين يجب عليهم فرض الجمعة أن يحضروا الجمعة حتى يصلوها ، فيسقط عنهم بذلك فرض الظهر ، استحال أن يصلي البدل من الظهر قبل وقت الظهر في سائر الأيام ، واستحال أن يصلي الجمعة حتى يسقط بها فرض الظهر قبل دخول وقت الظهر ، ولما كان وقت الجمعة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما قد شهد لها من النظر ، بعد زوال الشمس ، كان النداء لها أيضا بعد دخول وقتها ، كما كان النداء للظهر في غير الجمعة بعد دخول وقتها .

وكانت هذه الصلاة لها موطن خاص لا يجوز أن تصلى إلا فيه لم يذكر الله - عز وجل - ذلك في كتابه ، ولا وجدناه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد روي عن علي بن أبي طالب في ذلك ما [ ص: 145 ] :

209 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال : حدثنا شعبة ، عن زبيد ، قال : سمعت سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي - رضي الله عنه - ، قال : " لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر من الأمصار " .

210 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن زبيد ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي كرم الله وجهه ، قال : " لا جمعة ، ولا تشريق إلا في مصر جامع " .

وهذا مما يحيط علما أن عليا - رضي الله عنه - لم يقله رأيا ، لأن مثله لا يقول بالرأي ، وإن لم يقله إلا توقيفا غير أن عليا لم يبين لنا في حديثه الأمصار ما هي ؟ فنظرنا في ذلك فإذا محمد بن خزيمة :

211 - قد حدثنا ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن ، أن عمر - رضي الله عنه - " مصر الأمصار سبعة : المدينة مصر ، والبحرين ، والبصرة ، والكوفة ، والجزيرة ، والشام ، ومصر " .

212 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا يزيد بن إبراهيم ، قال : حدثنا الحسن ، قال : الأمصار سبعة : المدينة مصر ، والبصرة ، والكوفة ، والبحرين ، والجزيرة ، والشام ، ومصر .

قال : وذكرت له واسط قال وقد قلتم واسط .

لما كانت هذه الأمصار إنما مصرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجب لها حكم الأمصار ، كان كذلك كل مصر للمسلمين سواها حتى صار في حكمها صارت الجمعة فيه كهي فيها ، غير أنه قد اختلف فيمن كان بقرب الأمصار هل يجب عليه حضور الجمعة أم لا ؟ .

213 - فحدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد ، عن الحجاج ، عن الوليد بن أبي مالك ، أن معاوية بن أبي سفيان ، قال : " تجب الجمعة على من كان [ ص: 146 ] على رأس أربعة فراسخ " .

وخالفه في ذلك عبد الله بن عمر .

214 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا جويرية ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنه - ما ، قال : " تجب الجمعة على من آواه الليل " ومعنى ذلك في أهله وقد خالفهما في ذلك أنس بن مالك .

215 - حدثنا محمد ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن حميد ، وغيره ، عن أنس : " أنه كان بالطف فربما جمع ، وربما لم يجمع ، ومقدار الطف من البصرة أقل من أربعة فراسخ ، وأقل من مسيرة نصف يوم " .

فدل ذلك على أن مذهب أنس في الجمعة أنها لا تجب إلا على من كان في الأمصار ممن عليه حضورها.

التالي السابق


الخدمات العلمية