أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
تأويل قول الله - عز وجل - : ( وذروا البيع ذلكم خير لكم )

قال الله - عز وجل - : ( وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) ، فكان أول الوقت المنهي عن البيع فيه مختلفا ، وفي الذي منع منه هل هو النداء ؟ أو وقت النداء ؟ .

229 - فحدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن كلثوم بن جبير ، قال : قال مسلم بن يسار : " إذا انتصف النهار يوم الجمعة فلا تشتر ولا تبع " .

230 - حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : " يحرم الشراء والبيع إذا زالت الشمس يوم الجمعة " .

231 - حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن رجل ، عن مسروق ، في قوله - عز وجل - : ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) ، قال : هو الوقت .

فهذا مسروق ، ومسلم بن يسار ، والضحاك قد جعلوا الذي يمنع من البيع والشراء في هذه الآية زوال الشمس ، لا النداء بالصلاة [ ص: 152 ] .

232 - وقد حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، قال : " العزمة عند النداء " .

233 - حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن الزهري ، قال : " يحرم البيع والشراء عند النداء " .

فهذا مجاهد ، والزهري قد جعلا الذي ينهى عن البيع النداء ، لا الزوال .

ولما كان على الناس إذا زالت الشمس إتيان الجمعة ولا يرفع ذلك عنهم تأخير النداء بها ، كان الذي يوجب تركهم البيع والشراء ويمنعهم منها هو ذلك الوقت ، لا النداء الذي ينادى به بعده ، ولما كان النداء على الزوال لا معنى له ، دل ذلك على أن النداء الذي بعد الزوال إنما هو بعد ما قد وجب إتيان الصلاة ، وترك التشاغل عنها بغيرها .

وقد اختلف أهل العلم في المتبايعين في هذا الوقت المنهي عن التبايع فيه ، فقال طائفة منهم : هو مكروه ، والبيع جائز ، وممن قال ذلك منهم : أبو حنيفة ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد ، والشافعي .

وقالت طائفة منهم : ذلك البيع باطل ، وممن قال ذلك منهم مالك بن أنس .

ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما يجمعون عليه من شكل ما اختلفوا فيه من هذا التعطف عليها ما اختلفوا فيه ، فوجدناهم لا يختلفون أن الله - عز وجل - قد حرم على العباد التشاغل عن الصلوات في آخر أوقاتها إذا لم يبق من الوقت إلا مقدار ما تؤدى فيه تلك الصلاة ، وكان من صار في مثل ذلك من الوقت ، فترك الصلاة ، فباع واشترى ، فبيعه وشراؤه جائزان بلا اختلاف ممن ذكرنا ، فلما كان البيع في هذا الوقت جائزا أو إن كان الوقت الذي عقد فيه منهيا عن البيع فيه كان كذلك البيع فيما سواه من الأوقات المنهي عن البيع فيها ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية