أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
تأويل قوله تعالى : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها )

قال الله - عز وجل - : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) روي في سبب نزول هذه الآية ما :

234 - حدثنا أبو أمية ، وابن أبي داود ، قالا : حدثنا يحيى بن صالح الوحامي ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر رضي الله عنه ، قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب خطبتين ، فكان الجواري إذا نكحوا يمرون يضربون بالكير والمزامير فينسل الناس ، ويدعون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما ، فعاتبهم الله - عز وجل - ، فقال : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) .

235 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا سليمان بن أبي أويس ، قال : حدثني أبي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " كان يخطب الناس يوم الجمعة ، فإذا كان نكاح لعب أهله ومروا باللهو على المسجد ، وإذا نزل البطحاء خلت ، وكانت البطحاء مجلسا بفناء باب المسجد الذي يلي طريق العرقد ، وكان الأعراب إذا جلبوا الخيل ، والإبل ، والغنم ، وبضايع الأعراب نزلوا البطحاء ، فإذا سمع ذلك بعض من يقعد للخطبة التي في يوم الجمعة قاموا للهو والتجارة ، وتركوه قائما ، فعاتب الله - عز وجل - المؤمنين لنبيه ، فقال في كتابه : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) الآية [ ص: 154 ] .

فلما عاتب الله - عز وجل - الناس على القيام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته عليهم ، دل ذلك على أن القعود يوم الجمعة واجب على الناس ، ولولا ذلك لم يعاتب القائم للتجارة ، ولا للهو المباح ، كما لا يعاتبون للقيام لذلك عن غير خطبة يوم الجمعة ، وفي الخبر الذي روينا ما يدل على أن الخطيب يخطب للجمعة قائما ، وفيه أيضا أنه كان يخطب للجمعة خطبتين . وقد روي في ذلك أنه كان يقعد بينهما قعدة .

236 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - ، قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما ، ثم يقعد ثم يقوم " .

وقد روي حديث جابر الذي ذكرنا بزيادة على الحديث الذي رويناه عنه .

237 - فحدثنا أحمد بن داود بن موسى ، قال حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأزدي ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن حصين ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر بن عبد الله ، قال : أقبلت عير ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم نصل الجمعة ، فانفض الناس إليها ، فما بقي غير اثني عشر رجلا ، فنزلت هذه الآية : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) " .

238 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن حصين ، فذكر بإسناده مثله .

239 - حدثنا يزيد ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، قال : حدثنا سليمان بن كثير ، عن حصين ، فذكر بإسناده مثله .

240 - حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن [ ص: 155 ] حصين ، عن طلحة ، عن جابر بن عبد الله ، في قوله - عز وجل - : ( وتركوك قائما ) ، قال : " جاءت عير وهو قائم يخطب ، فخرج الناس إليها حتى بقي اثني عشر رجلا ، فنزلت هذه الآية " .

241 - حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا عبد الأعلى بن حماد ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر ، قال : أقبلت عير يوم الجمعة ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فانفتل الناس إليها ، فلم يبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا اثني عشر رجلا ، فأنزل الله - عز وجل - : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) " .

حدثناه أحمد بن داود من طريق أخرى ، فقال :

242 - حدثنا عبد الأعلى بن حماد ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن سالم بن أبي الجعد ، وأبي سفيان ، عن جابر .

فثبتت هذه الآثار بسبب نزول هذه الآية ، وكان في حديثي محمد بن علي ، وطلحة بن نافع وهو أبو سفيان من رواية قيس بن الربيع أنهم نفروا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة .

وفي حديث سالم بن أبي الجعد أنهم نفروا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نصلي الجمعة .

فاحتمل قوله : ونحن نصلي الجمعة ، ونحن معه لصلاة الجمعة ، لأن من كان ينتظر صلاة فهو في صلاة ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، فلم يجعله مخالفا لما روى محمد بن علي ، وطلحة ، عن جابر - رضي الله عنه - .

التالي السابق


الخدمات العلمية