أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وكانت الخطبة التي للجمعة لا تجب إلا على جماعة تجري معهم الجمعة ، فلما لم يترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخطبة ، ولا صلاة الجمعة بذهاب الناس عنه إلا هذا العدد الذي منهم ، ثبت بذلك أن الجمعة تكون مع أقل من أربعين رجلا ، وهذا قول أبي حنيفة ، وزفر ، وأبي يوسف ، ومحمد ، لا كما ذهب إليه من قال لا تجري إلا بأربعين رجلا فصاعدا ، وذهب في التوقيت في ذلك إلى ما : [ ص: 156 ]

243 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا يوسف بن بهلول ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، أن أباه حدثه ، أن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، قال : " كنت قائدا لأبي بعد ما ذهب بصره ، وكان لا يسمع النداء إلا قال : رحمه الله على أبي أمامة ، فقلت لأبي : إنه ليعجبني صلواتك على أبي أمامة كلما سمعت النداء في يوم الجمعة ، فقال أبي : يا بني ، إنه أول من جمع بنا الجمعة في حرة بني بياضة في روضة ، يقال لها : بقيع الخضمات ، قلت : وكم أنتم يومئذ ؟ قال : أربعون رجلا " .

فهذا ما لا حجة له فيه ، إنه قد يجوز أن يجمع بعدد والجمع بأقل منه جائز ، ولقد روي أن أول من جمع بالناس بالمدينة عن أبي أمامة .

244 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبد الغفار بن عبد الله الكريري ، عن صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي مسعود ، قال : " أول من قدم من المهاجرين المدينة مصعب بن عمير ، وهو أول من جمع بها أول يوم الجمعة ، جمعهم قبل أن يقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم " .

ولما ثبت من قول من أجاز الجمعة بالجماعة التي دون الأربعين ، وكان قائلوا ذلك على مذهبين ، فقوم يقولون : تجوز الجمعة بثلاثة نفر سوى الإمام ، وممن قال ذلك منهم أبو حنيفة ، ومحمد .

ولما كانت الجمعة لا تجري بالرجل الواحد سوى الإمام ، وتجري بالثلاثة الرجال سوى الإمام ، واختلف في حكم الرجلين ، نظرنا في حكمهما هل هو كحكم الثلاثة الرجال أو كحكم الرجل الواحد ؟ فنعطفه على الأشبه به من ذلك من أنباء الإمام إذا صلى بالرجل الواحد أقامه عن يمينه ، وإذا صلى بالثلاثة الرجال أقامهم خلفه ، وإذا صلى بالرجلين أقامهما خلفه ، كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجرى العمل عليه من بعده [ ص: 157 ] .

فلما كان مقام الرجلين خلف الإمام كمقام الثلاثة الرجال خلف الإمام ، لا كمقام الرجل الواحد ، كان حكم الرجلين أيضا في الجماعة كحكم الثلاثة فيها ، لا كحكم الواحد ، غير أن أبا حنيفة رحمه الله ، قال : كان عبد الله بن مسعود يذهب في مقام الرجلين في الصلاة مع الإمام إلى أن يكون أحدهما عن يمينه ، والآخر عن شماله .

قال : فلما كان مقام الرجلين فيما ذكرنا مختلفا فيه على ما وصفنا ، لم ننقلهما بذلك عن حكم الواحد ، ونقلنا الثلاثة عن حكم الواحد للإجماع على مقامهم خلف الإمام ، والقول الذي حكيناه عن أبي يوسف رحمه الله ومحمد في ذلك أحب إلينا من قوله هذا ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية