أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
فأما أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، فكانوا يذهبون إلى أن آخر وقت العصر غروب الشمس ويحتجون في ذلك بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما :

290 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " .

291 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا بشر بن عمرو الزهراني ، قال : حدثنا مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، وبشر بن سعيد ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله .

وقالوا : لما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جعله مدركا للعصر بهذين الحديثين ، ثبت أن آخر وقتها غروب الشمس فكان من الحجة عليه للآخرين عليهم في ذلك أن هذا الحديث قد عارضه نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة عند غروب الشمس . وذلك أن إبراهيم بن مرزوق :

292 - حدثنا ، قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، قال : حدثنا موسى بن علي بن رباح اللخمي ، عن أبيه ، عن عقبة بن عامر الجهني ، قال : " ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى أن نصلي فيهن ، وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل ، وحين تصفر الشمس للغروب حتى تغرب " .

293 - حدثنا فهد ، قال حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا موسى بن علي ، قال : سمعت عقبة ، ثم ذكر مثله [ ص: 174 ] .

294 - حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها ، وإذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز ، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب " .

295 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله الصنابحي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان ، فإذا ارتفعت فارقها حتى إذا استوت قارنها ، فإذا زالت فارقها ، فإذا دنت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها " " ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في تلك الساعات " .

296 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا مالك ، وزهير بن محمد ، قالا : حدثنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، قال : سمعت عبد الله الصنابحي ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول ، فذكر مثله .

ففي هذه الآثار أن وقت اصفرار الشمس لا يصلى فيه ، فخرج بذلك أن يكون وقت العصر ، لأن سائر أوقات الصلوات سواء تقضى فيه الصلوات الفائتات ، ولا تقضى صلاة فائتة في قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، عند اصفرار الشمس ، فثبت بذلك أنه غير وقت لصلاة العصر ، وهذا هو القول الصحيح عندنا في هذا الباب ، لا ما قاله أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد فيه .

وأما أول وقت المغرب فلا اختلاف بين أهل العلم علمناه أنه حين تغرب الشمس . وأما آخر وقتها فقد اختلف فيه ، فطائفة منهم تقول : إذا غاب الشفق ، ثم يختلفون في الشفق ما هو ؟ فيقول بعضهم هو الحمرة التي قبل البياض ، وممن قال بذلك منهم ابن أبي ليلى ، ومالك ، وسفيان الثوري ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وقد روي ذلك عن عبادة بن الصامت ، وشداد بن أوس الأنصاريين .

297 - حدثنا بكار ، قال : حدثنا صفوان بن عيسى ، قال : حدثنا ثور بن يزيد ، عن مكحول ، قال : " كان عبادة بن الصامت وشداد بن أوس يصليان في بيت المقدس ويريان [ ص: 175 ] الشفق الحمرة " .

وطائفة تقول : الشفق البياض الذي بعد الحمرة ، وممن قال ذلك منهم : أبو حنيفة .

ولما كان طلوع الشمس يتقدمه الفجر ، وغروبها يتلوه الشفق ، وكان في كل واحد منهما بياض وحمرة ، وكان إجماعهم أن صلاة الفجر إنما تجب بطلوعهما ، لا بطلوع أحدهما ، كان كذلك صلاة العشاء تجب بغروبهما ، لا بغروب أحدهما .

وطائفة تقول : وقت آخر وقت العشاء إلى طلوع الفجر ، فإن أبا حنيفة ، وأبا يوسف ، ومحمد يذهبون أنه على ثلاثة أقسام فقسم منه من حين يدخل وقتها إلى أن يمضي ثلث الليل ، وهو أفضل وقتها ، وقسم منه ما بعد ثلث الليل إلى تمام نصف الليل وهو في الفضل دون ذلك ، وقسم منه ما بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر ، وتأخير الصلاة إليه عندهم إساءة وتضييع ، ولما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العشاء فيما روينا عنه في الآثار التي ذكرنا ، عند ثلث الليل ، وروي عنه في حديث الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، وفي حديث أبي قتادة ، عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو ، أن آخر وقتها إلى نصف الليل .

ثبت بذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما كان أخرها إلى وقت الفضل من وقتها ، وثبت بحديثي أبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو اللذين ذكرنا أن ما بعد ذلك إلى استغراق نصف الليل من وقتها وإن كان في الفضل دون الوقت الأول .

التالي السابق


الخدمات العلمية