أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
تأويل قوله تعالى : ( فصل لربك وانحر )

قال الله - عز وجل - : ( فصل لربك وانحر ) ، وكانت الصلاة والنحر المذكوران في هذه الآية من المتشابه المختلف في المراد به ما هو ؟

فذهب غير واحد من أهل العلم إلى أن المراد بالصلاة في هذا : صلاة يوم النحر ، وأن المراد في هذا ما ينحر يوم النحر من الضحايا والهدايا التي يتقرب بها إلى الله - عز وجل - ، ورووا في ذلك ما :

320 - حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا إسماعيل بن سالم ، عن هشيم ، قال : أخبرنا [ ص: 184 ] الحجاج ، عن عطاء يعني : ابن أبي رباح ، وعطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير " ( فصل لربك وانحر ) قالا : " الصلاة صلاة يوم النحر ، والنحر نحر البدن بمنى " .

321 - حدثنا أبو بكرة ، قال حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن " ( فصل لربك وانحر ) قال : " هو النحر " .

322 - حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، عن أبي نجيح ، عن مجاهد " ( وانحر ) قال : " مناحر الإبل بمنى " .

وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن المراد بالصلاة في هذا : الصلوات ، وإلى أن المراد بالنحر فيه : وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة . ورووا ذلك عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .

323 - حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا أبو عمرو الضرير ، قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، أن عاصما الجحدري أخبرهم ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب ، كرم الله وجهه ، في قوله : ( فصل لربك وانحر ) قال : " وضع يده اليمنى على الساعد الأيسر ، ثم وضعهما على صدره " .

324 - حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا عاصم الجحدري ، عن عقبة بن صهبان ، عن علي - رضي الله عنه - ، في قوله - عز وجل - : ( فصل لربك وانحر ) ، قال : " وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة " .

325 - حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا عبد الله بن داود ، عن يزيد بن أبي الجعد ، عن عاصم الجحدري ، عن عقبة بن ظهير ، عن علي - رضي الله عنه - ، في قوله : ( فصل لربك وانحر ) قال : " وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة " .

ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيه ، فرأينا ما أمر به القرآن يكون على الإيجاب مثل قوله - عز وجل - : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) ، ومثل قوله : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) .

ويكون على الندب والحض على الخير ، لقوله - عز وجل - : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) [ ص: 185 ] ، وكقوله : ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ) .

ويكون على إباحة ما قد كان حظره قبل ذلك ، كقوله - عز وجل - : ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) ، وكقوله : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) .

وكأن قوله : ( فصل لربك وانحر ) لا يخلو إما أن يكون معناه على واحد من هذه المعاني إما فريضة ، وإما على الندب والحض على الخير ، وإما على الإباحة ، وكل واحد من هذه المعاني لا يسمى سنة ، ولا اختلاف علمناه بين أهل العلم في أن صلاة يوم النحر سنة ، والنحر فيها أيضا سنة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .

326 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو داود ، ووهب بن جرير ، قالا : حدثنا شعبة ، عن زبيد الأيامي ، قال : سمعت الشعبي ، يحدث عن البراء بن عازب ، قال : خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أضحى إلى البقيع ، فبدأ فصلى ركعتين ، ثم أقبل علينا بوجهه ، فقال : " أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ، ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا ، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم عجله لأهله ، ليس من النسك في شيء " .

وإذا كانت صلاة العيد سنة دل ذلك على أنها لم يؤمر بها في الكتاب ، وأن المراد بالآية التي تلونا غير هذا إذ كان ما يؤمر به في الكتاب لا يقال له سنة ، ولما لم يكن في هذه الآية التي تلونا غير هذين التأويلين اللذين ذكرنا علمناه فانتفى أحدهما وثبت الآخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية