أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
تأويل قوله تعالى : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم )

قال الله - عز وجل - : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) ، فكانت هذه الآية من المتشابه الملتمس تأويله مما سواه من الكتاب ومن السنة ، فأما قوله - عز وجل - : ( وإذا ضربتم في الأرض ) فالمراد [ ص: 190 ] بالضرب في الأرض السفر ، لقوله - عز وجل - : ( علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ) ، وأجمع المسلمون على أن المراد بالأسفار من هذا خاص منها . فقال بعضهم : هو ما كانت مسافته مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا .

وممن قال ذلك أبو حنيفة ، وسفيان ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد . ورووا ذلك عن ابن عمر .

340 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا موسى بن أعين ، عن خصيف بن عبد الرحمن ، عن نافع ، عن ابن عمر : " أنه كان يسافر اليوم واليومين لا يقصر الصلاة ، ولكنه إذا خرج إلى خيبر قصر الصلاة وهي مسيرة ثلاثة أيام " .

341 - حدثنا روح بن الفرج ، قال حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي ، قال حدثنا عبد الرحمن بن زياد ، قال حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن خصيف ، عن نافع ، قال : كنت أسافر مع عبدالله بن عمر اليوم واليومين فلا يقصر الصلاة ، فإذا سافرنا ثلاثا قصر الصلاة " .

342 - حدثنا إسماعيل بن إسحاق بن سهل الكوفي ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن خصيف ، عن نافع ، قال : " سافرت مع ابن عمر يومين فلم يقصر ، وسافرت معه ثلاثا فقصر " .

وقال بعضهم : تقصر الصلاة في مسيرة أربع برد ، ومقدار ذلك مسيرة اليوم التام وهو قول مالك رحمه الله ، وقد روي ذلك عن ابن عمر ، وابن عباس .

343 - حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي ، قال : حدثنا يحيى بن حسان ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، قال : " كان ابن عمر وابن عباس " يقصران الصلاة في أربع برد " .

344 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا بن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، " أن عبد الله كان يقصر الصلاة في مسيرة اليوم التام " [ ص: 191 ] .

345 - حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا خالد بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، مثله .

ولما اختلفوا في ذلك وتكافأت الأخبار فيه ، عن ابن عمر ، نظرنا في ذلك فوجدناه مما لا يوصل إلى استخراجه من جهة القياس والاستنباط ، وكان ظاهر الآية يوجب أن يقصر الصلاة من ضرب في الأرض إلى قريب الأسفار وبعيدها .

فلما أجمعوا أن تأويل الآية ليس على العموم الذي كان هو أولى بظاهرها ، وأنها على خاص من الأسفار ، خرجت بذلك من حكم العموم ، ودخلت في حكم الخصوص الذي يحتاج إلى الوقوف عليه بمعنى ثان ، فوجدناهم قد أجمعوا على أن الإنسان أن يتم الصلاة قبل أن يدخل في السفر ، وأنه إذا دخل في السفر الذي مقدار مسافة ثلاثة أيام قصر الصلاة ، وأن ذلك مما قد دخل في الآية ، واختلف في الداخل في السفر الذي هو دون ذلك ، فلم يدخله في الخاص المراد بهذه الآية ، إذ لا إحاطة معنا فيه أنه داخل فيها ، ورددنا حكمه في ذلك إلى الحكم الذي كان عليه قبل دخوله في السفر .

التالي السابق


الخدمات العلمية