أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
تأويل قوله تعالى : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم )

قال الله - عز وجل - : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ) ، فكانت هذه الآية بعقب ذكر الخوف المذكور في الآية التي قبلها ، ولا نعلم اختلافا بين أهل العلم أن المراد بهذه الصلاة إذا كانوا في خوف .

وفي قوله - عز وجل - : ( وليأخذوا أسلحتهم ) وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم سورة النساء آية دليل على ذلك واضح ، وقد روي عن أبي عياش الزرقي في سبب نزول هذه الآية ما :

372 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا قبيصة بن عقبة ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أبي عياش الزرقي ، قال : " صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر بعسفان والمشركون بينه وبين القبلة ، فيهم أو عليهم خالد بن الوليد ، فقال المشركون : لقد كانوا في صلاة لو أصبنا منهم لكانت الغنيمة ، فقال المشركون : إنها ستجيء صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وآبائهم .

قال : ونزل جبريل عليه السلام بالآيات فيما بين الظهر والعصر ، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر ، وصف الناس صفين ، وكبروا معه جميعا ، ثم ركع وركعوا معه جميعا ، ثم رفع ورفعوا معه جميعا ، ثم سجد وسجد الصف الذي يلونه ، وقام الصف المؤخر يحرسونهم بسلاحهم ، ثم رفع ورفعوا ، ثم سجد الصف الآخر ، ثم رفعوا وتأخر الصف المقدم ، وتقدم الصف المؤخر ، وكبر وكبروا معه جميعا ، ثم ركع وركعوا معه جميعا ، ثم رفع ورفعوا معه جميعا ، ثم سجد وسجد الصف الذي يلونه ، وقام الصف المؤخر يحرسونهم بسلاحهم ، ثم رفع ورفعوا جميعا ، ثم سجد الصف المؤخر ، ثم سلم عليهم وصلاها مرة أخرى في أرض بني سليم " .


ففي هذا الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت هذه الآية صلاها كذلك ، [ ص: 200 ] .

وظاهر الآية لا يدل على هذا الفعل ، لأن الله - عز وجل - قال فيها : ( ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ) .

ففي هذا دليل على أن دخول إحدى الطائفتين في الصلاة معه بعد دخول الطائفة الأخرى في الصلاة معه ، وفي الحديث الذي روينا أن دخول الطائفتين في الصلاة معه كان معا .

وقد رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آثار أخرى في كيفية صلاة الخوف هي أولى بظاهر الآية التي تلونا .

373 - أخبرنا ابن وهب أن مالكا حدثه ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، عن صالح بن خوات الأنصاري أن سهل بن أبي حيثم حدثه ، أن صلاة الخوف كذلك ، ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - .

ففي هذه الآثار دخول الطائفتين مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إحديهما بعد الأخرى في الصلاة ، وفيها صلاة الطائفة الأولى الركعة الثانية قبل صلاة الإمام إياها ، فكانت الآثار الأول أولى من هذه الآثار عندنا ، لأن فيها فعل الطائفتين جميعا كان بعد فراغ النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية