أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وقال غيرهم من أهل العلم : بل الفرض في مسح الرأس مسح بعضه ، لا يمسح كله ، [ ص: 78 ] ورووا في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قد :

27 - حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا يحيى بن حسان ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عمرو بن وهب الثقفي ، عن المغيرة بن شعبة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " توضأ وعليه عمامة فمسح على عمامته ومسح بناصيته " .

28 - حدثنا حسين بن نصر ، قال : سمعت يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا ابن عون ، عن عامر ، عن ابن المغيرة بن شعبة ، عن أبيه ، وابن عون ، عن محمد بن سيرين ، عن المغيرة رفعه إليه ، قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر " فمسح على عمامته ، وقد ذكر الناصية بشيء " .

قالوا : فلما كان قد مسح ناصيته ولم يمسح بقية رأسه ، دل ذلك على أن الفرض عليه هو ما فعله في الناصية .

فقال مخالفهم : فقد مسح على عمامته ، فقيل لهم : لو كان المسح على العمامة في ذلك مستعملا إذا لما استعمل حتى يغطي جميع الرأس ، كما لا يستعمل المسح على الخفين حتى يغطي جميع الرجلين ، فلما استعمل المسح على الناصية كان هو الفرض ، وكان ما سواه من المسح على العمامة فضلا . ورووا ذلك عن ابن عمر .

29 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : حدثنا يحيى بن حمزة ، عن الزبيدي ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، أنه " كان يمسح بمقدم رأسه إذا توضأ " .

قالوا : وهذا بالنظر أولى مما ذهب إليه مخالفنا إذ كنا نحن ، وهو ممن يمسح على الخفين ، ويجمع على أن المسح عليهما لا يعمهما ، لأن من كان يمسح عليهما خطوطا بالأصابع يقول : لا يمسح بخلفهما ولا أعقابهما ولا بطونهما ، ومن كان منا يمسح على ظهورهما وبطونهما لا يمسح جوانبهما ولا أعقابهما . فدل ذلك على أن ما فرضه المسح ، لا [ ص: 79 ] يراد عمومه به ، وإنما يراد بعضه ، فأدخل عليهم الآخرون في ذلك ، فقالوا : وجدنا التيمم يعم المسح به الوجه واليدان ، والمسح في الوضوء كذلك يعم به العضو الممسوح .

وكان من الحجة عليهم للآخرين : أن التيمم شبه بعضه بعضا ، فمنه التيمم على اليدين يعمان به ، ومنه التيمم على الوجه يعم به ، والوضوء ليس كذلك ، لأن منه المسح على الخفين الذي لا تعمان به ، والمسح على الرأس الذي منه أشبه المسح على الخفين الذي منه المسح بالتيمم الذي ليس منه . فهذا هو النظر ، وهو قول أبي حنيفة ، وزفر ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وعامة أهل الكوفة سواهم والله تعالى نسأله التوفيق [ ص: 80 ] [ ص: 81 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية