أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
فهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في ما يحدثون به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منه ما أخذوه منه سماعا ، ومنه ما قد صح عندهم عنه بلاغا - صلى الله عليه وسلم - .

ومن ذلك ما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مما كان ذكره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن أدركه الصبح وهو جنب أنه يفطر .

428 - حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو ، عن يحيى بن جعدة ، أنه أخبره ، عن عبد الله بن عمرو القاري ، أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - ، يقول : " لا ورب هذا البيت ما أنا قلت : من أدرك الصبح وهو جنب فليفطر ولكن محمدا قاله ، ورب هذا البيت ما أنا نهيت عن صوم يوم الجمعة ، ولكن محمدا - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 225 ] نهى عنه إذا أفرد " .

وقد كان أبو هريرة - رضي الله عنه - يحكي مثل هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يسمعه منه ، ولا يذكر من بينه وبينه ، فإذا وقف على ذلك ، قال : حدثني به فلان .

429 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن سمي ، مولى أبي بكر ، أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن ، يقول : كنت أنا وأبي عند عبد مروان بن الحكم وهو أمير المدينة ، فذكر له أن أبا هريرة ، يقول : من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم ، فقال مروان : أقسمت عليك لتذهبن إلى أم المؤمنين عائشة وأم سلمة فتسألهما عن ذلك .

فذهب عبد الرحمن وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة ، فسلم عليها عبد الرحمن ، ثم قال : يا أم المؤمنين ، إنا كنا عند مروان ، فذكر له أن أبا هريرة ، يقول : من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم ، فقالت عائشة رضي الله عنها : بئس ما قال أبو هريرة يا عبد الرحمن ، ترغب عن ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ؟ فقال : لا والله .

قالت : فأشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أنه كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ، ثم يصوم ذلك اليوم " ، قال : ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك ، فقالت كما قالت عائشة ، فخرجنا حتى جئنا مروان ، فذكر له عبد الرحمن ما قالتا .

فقال مروان : أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي فأتها فلتذهبن إلى أبي هريرة ، فإنه بأرضه بالعقيق ، فلتخبرنه ذلك ، فركب عبد الرحمن وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة ، فتحدث معه عبد الرحمن ساعة ، ثم ذكر له ذلك ، فقال أبو هريرة : لا علم لي بذلك ، إنما أخبرنيه مخبر .


430 - حدثنا علي بن شبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا ابن عون ، عن رجاء بن حيوة ، عن يعلى بن عقبة ، قال : أصبحت جنبا وأنا أريد الصوم ، فأتيت أبا هريرة ، فسألته ، فقال لي : أفطر ، فأتيت مروان فسألته وأخبرته بقول أبي هريرة ، فذهب عبد الرحمن بن الحارث إلى عائشة وسألها ، فقالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج لصلاة الفجر ورأسه يقطر من جماع ، ثم يصوم ذلك اليوم " .

فرجع إلى مروان فأخبره ، فقال : ائت أبا هريرة فأخبره ، فأتاه فأخبره ، فقال : إني لم أسمعه [ ص: 226 ] من النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما حدثنيه الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم .


فإن قال قائل : هذا قد يحتمل فيما جاؤوا به مطلقا ، فأما حديث أبي هريرة ، عن يوم ذي اليدين ، فإنه قال فيه : " صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيت حضور تلك الصلاة " .

قيل له : ليس في ذلك إثبات حضور تلك الصلاة ، لأنه قد يجوز أن يكون قوله صلى بنا على معنى صلى بالمسلمين الذين هو منهم ، وإن لم يحضر صلاته تلك بهم ، كما قال النزال بن سبرة فيما :

431 - حدثنا فهد ، وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ، قالا : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا مسعود ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن النزال بن سبرة ، قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف ، فأنتم اليوم بنو عبد الله ، ونحن بنو عبد الله ، يعني : لقوم النزال " .

ففي هذا قول النزال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولم ير النزال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما أراد أي قال لقومنا الذين هو منهم من خاطبه النبي - صلى الله عليه وسلم - بما خاطبه به من ذلك القول .

وكذلك قول أبي هريرة : " صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " في حديث ذي اليدين ، عندنا إنما معناه صلى بنا ، صلى بالصحابة الذين هو منهم ممن حضر تلك الصلاة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواه ، وقد روى حديث ذي اليدين عبد الله بن عباس ، وابن عمر ، وعمران بن حصين .

432 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنه - ما ، قال : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثلاثا ثم سلم ، فقال له ذو الشمالين : أنقصت الصلاة يا رسول الله ؟ قال وكذلك يا ذا اليدين ؟ قال : نعم ، فركع ركعة وسجد سجدتين " .

433 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بالناس ركعتين فسها فسلم ، فقال ذو اليدين ، فذكر مثل حديث أبي هريرة ، وأنه قال : أنقصت الصلاة يا رسول الله ؟ قال : " لا " .

قال : فصلى ركعتين أخريين ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم " .
[ ص: 227 ]

434 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا وهيب بن خالد ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن الحصين ، قال : " سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثلاث ركعات ، فدخل الحجرة مغضبا ، فقام الخرباق رجل بسيط اليدين ، فقال : يا رسول الله ، أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ فخرج يجر رداءه فسأل فأخبر ، فصلى الركعة التي كان ترك ، وسلم ثم سجد سجدتين ثم سلم " .

فهذا ابن عباس ، وابن عمر ، وعمران بن حصين ، وهم أقدم إسلاما من أبي هريرة ، وقد رووا هذا الحديث ولم يحك واحد منهم أنه شهد تلك الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو هريرة ممن حدث بعدهم ، وكان حضوره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد حضورهم إياه ، وكيف شهد أبو هريرة من صلاته التي تقدمت إسلامه ما لم يشهده من هو أقدم إسلاما منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية