صفحة جزء
1036 - 35 حدثنا إسحاق بن إبراهيم البزاز ، حدثنا إسماعيل بن يزيد ، [ ص: 1568 ] حدثنا أبو يحيى غالب بن فرقد ، حدثنا أبو عبد الرحمن ، عن نهشل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لما نفخ الله تعالى في آدم - عليه السلام - الروح ، وأمر الملائكة بالسجود له ، أخرج ذريته من ظهره ، فأفاضهم إفاضة القداح كالذر بين يديه مستنطقين ناطقين بالربوبية أنه ربهم ، كل يدعوه يا رب ، يا رب ، ثم خلق منه زوجته حواء ، فأسكنهما الجنة ، ولم يكن في الجنة شيء أحسن منهما ، وكانت حواء أحسن من آدم ، وعلى آدم - عليه السلام - تاج مشرج باللؤلؤ ، منظوم بالزمرد ، والياقوت ، وعلى حواء نقارس الزبرجد ، والحلي ، فأصل التاج للرجال من آدم ، والنقارس والحلي للنساء من حواء ، وكان لباسهما الظفر عليه شعاع نور كشعاع الشمس ، فحسدهما إبليس - لعنه [ ص: 1569 ] الله تعالى - ، واحتال لهما ، فلما انقضى القدر أمره ، تهيأ لحواء في جوف الحية ، فأراها أنه يأكل من الشجرة التي نهى الله عز وجل عنها آدم ، وحواء ، فقالت حواء : إن هذه لمعصية ، فلم تأكل منها يا إبليس ؟ فقال لها إبليس : ليس في الجنة أطيب منها ، وآكلها مخلد ، وإنما منعكما ربكما لطيبها ، وخلودها ، فقاسمهما لئن أكلت لتخلدن ، وإني لكما لمن الناصحين ، فأكلت ، ثم أتت آدم ، فقالت له : كل ، فقد أكلت ، فقال : معاذ الله ربي أن أعصيه ، فلم تزل تراوده ، والحية حتى أخذت ثلاث حبات ، فأكلها ، وأتبعتها حواء بسبع ، فصارت عشر حبات ، فلما ألقاها في فيه ناداه الله تعالى : يا آدم ، فأتبع التلبية ثلاثا : لبيك لبيك لبيك ، وألقى السبع من فيه ، ثم نكس رأسه ، فقال الله تعالى : يا آدم ، ارفع رأسك ، فقال : أستحي منك لعصياني يا رب ، فقال : ألم أخلقك بيدي ؟ قال : بلى يا رب ، قال : ألم أقل لملائكتي تسجد لك ؟ قال : بلى يا رب ، قال : ألم تكن جاري في بحبوحة جنتي ؟ قال : بلى يا رب ، قال : فما حملك على معصيتي ؟ قال : حواء سولت لي يا رب ، قال : اخرج من جواري ، فبي حلفت لا يجاورني من عصاني ، فأمر جبرئيل - عليه السلام - بإخراجه ، ونزع كرامته منهما ، فجاء جبرئيل - عليه السلام - ، وهو مكب على وجهه ، فقال : يا آدم ، ارفع رأسك ، وانزع كرامة الرحمن ، واخرج من جواره ، فذهب يرفع رأسه ، فتعلق بشجرة ، فقال : العفو العفو ، يا أهل العفو ، وهو أول من قالها ، ثم وضع جبرئيل عنه التاج ، ونزع منه كرامة الرحمن تبارك وتعالى ، فتعرى هو وحواء بعد نزع جبرئيل كرامة الرحمن تبارك وتعالى منهما ، وطفقا [ ص: 1570 ] يخصفان عليهما من ورق الجنة ، فحفزهما سبعون ألف ملك بالحراب من غير طعن عن الجنة ، فهبط آدم - عليه السلام - في ساحل الهند ، وهبطت حواء في ساحل مكة ، فوقعا يبكيان ، وينوحان ، وأصل البكاء ، والنوح منهما لما نابهما يسمع بعضهما بعضا ، وتبكي الملائكة لبكائهما ، وتحزن لحزنهما ، والجنة تدنو اشتياقا إليهما ، فقال الله عز وجل بعد أربعين يوما : " يا آدم ، هل أتى عليك حين من الدهر لم تكن شيئا مذكورا ؟ " ، قال : صدقت يا رب ، قال : " خلقتك ، وأمرتك ، فعصيت أمري ، وضيعت وصيتي ، ونسيت عهدي ، فمن عصاني من ولدك ، فلا يستنكرن نعمتي ، فوعزتي ، لو ملأت الأرض رجالا كلهم مثلك يسبحون بحمدي الليل والنهار لا يفترون ، ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين ، إلا أن تداركهم رحمتي ، إني قد رحمت بكاءك ، سمعت نداءك ، وأنا الرب حقا أقبل توبة التائبين ، وأرحم تضرع المتضرعين ، ففزع آدم - عليه السلام - إلى كلمة الإخلاص ، فقال : لا إله إلا أنت ، سبحانك ، وبحمدك رب إني عملت سوءا ، وظلمت نفسي ، فاغفر لي ، وتب علي ، إنك أنت الغفور الرحيم ، لا إله إلا أنت ، سبحانك وبحمدك إني عملت سوءا ، وظلمت نفسي ، فارحمني ، وتب علي إنك أنت أرحم الراحمين ، فحياه جبرئيل - عليه السلام - ، فقال : يا آدم ، إن الله عز وجل قد حياك وبياك ، فضحك آدم - عليه السلام - ، وأصل الضحك من آدم ، ولم [ ص: 1571 ] يضحك بعدها حتى مات ، فقال آدم : يا رب ، أفي سخطك أضحى في دار البلاء أم في رضاك ؟ فقال الله تبارك وتعالى : " بل في رضائي ، عفوت بقدرتي ، وتجاوزت بعفوي ، قال : يا رب ، أوصني ، قال : قد أوصيتك يا آدم ، فضيعت وصيتي ، ونسيت عهدي ، قال آدم : يا رب ، غلب علي قضاؤك ، وانتهيت إلى قدرك ، فأوصني إذ ضيعت ، ومرني إذ نسيت ، قال : آمرك يا آدم ، أوصيك خلالا فيهن جماع الخير كله ، واحدة لي ، وواحدة لك ، وواحدة بيني وبينك ، وواحدة فيما بينك وبين الناس ، فأما التي لي تعبدني ، لا تشرك بي شيئا ، وأما التي لك ما عملت من عمل أوفيتك أجره ، وأما التي بيني وبينك ، فمنك الدعاء ، وعلي الإجابة ، وأما التي بينك وبين الناس تحب لهم ما تحب لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لنفسك ، قال آدم : لا إله إلا أنت كل قضائك عدل ، وكل أمرك برهان ، ظلمت نفسي فآوني ، وتبت إليك فاقبلني ، قال : قد فعلت يا آدم ، ثم جمع بينهما جبرئيل - عليه السلام - ، فلما اجتمعا بجمع ، قال آدم : يا حواء ، جعت فاشتهيت الطعام ، قالت حواء : من أين هاهنا الطعام ؟ إنما الطعام في الجنة ، فنظرت ، فإذا الجن يختبزون ، ويأكلون ، وكان الله عز وجل قد [ ص: 1572 ] خلق الجان أبا الجن قبل آدم بألفي عام ، فصنعت كما صنعوا ، فأكلا وشربا ، فشكت بطونهما حتى تبرزا ، فقال آدم - عليه السلام - : ليس لي في الدنيا حاجة إن لم يعجلني ربي إلى الجنة ، فطال حزني على ما فات منها ، ثم أتاه جبرئيل - عليه السلام - ، قال : احجج بنا يا آدم ، فحج مستغيثا بالبيت ، فلما قضى نسكه ، قالت له الملائكة : بر حجك يا آدم ، قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام ، فلم يقرب آدم حواء ، ولم يمسها ، ولم ينظر إلى السماء استحياء من ربه عز وجل حتى ناداه ربه عز وجل : فأتبع التلبية لبيك لبيك يا رب ، قال الله تبارك وتعالى : إني أريد أن أعمر بلادي من نسلك ، فكان آدم يأتي حواء بالغداة ، وتضع بالعشي توأمين " .

التالي السابق


الخدمات العلمية