صفحة جزء
936 - 2 حدثنا أبو الطيب أحمد بن روح ، حدثنا علي بن داود [ ص: 1421 ] القنطري - شيخ بها .

(ذكره ابن بطال في الثقات ، وقال الخطيب : كان ثقة ابن داود) - حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث بن سعد - رحمه الله تعالى - قال : " زعموا - والله أعلم - ، أنه كان رجل من بني العيص ، يقال له : حائد بن أبي سالوم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم ، وأنه خرج هاربا من ملك من ملوكهم ، حتى دخل أرض مصر ، فأقام بها سنين ، فلما رأى أعاجيب نيلها ، وما يأتي به ، جعل لله عليه أن لا يفارق ساحله حتى يبلغ منتهاه ، ومن حيث يخرج أو يموت قبل ذلك ، فسار عليه ، فقال بعضهم : ثلاثين سنة في الناس ، وثلاثين سنة في غير الناس ، وقال بعضهم : خمسة عشر كذا ، وخمسة عشر كذا ، حتى انتهى إلى بحر أخضر ، فنظر إلى النيل ينشق مقبلا ، فصعد على البحر ، فإذا برجل قائم يصلي تحت شجرة تفاح ، فلما رآه استأنس به وسلم عليه ، فسأله الرجل صاحب الشجرة ، فقال له : من أنت ؟ قال : أنا حائد بن [ ص: 1422 ] أبي سالوم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم ، فمن أنت ؟ قال : أنا عمران بن فلان بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم ، فما الذي جاء بك هاهنا يا حائد ؟ قال : جئت من أجل هذا النيل ، فما جاء بك يا عمران ؟ قال : جاء بي الذي جاء بك حتى انتهيت إلى هذا الموضع ، فأوحى الله - عز وجل - إلي ، أن قف في هذا الموضع حتى يأتيني أمره ، فقال له حائد : أخبرني يا عمران ! ما انتهى إليك من أمر هذا النيل ؟ ، وهل بلغك أن أحدا من ابن آدم يبلغه ؟ قال له عمران : نعم ، قد بلغني أن رجلا من ولد العيص يبلغه ، ولا أظنه غيرك يا حائد ! ، فقال له حائد : يا عمران ، أخبرني كيف الطريق إليه ؟

قال له عمران : لست أخبرك بشيء إلا أن تجعل لي ما أسألك ، قال : وما ذاك يا عمران ؟ قال : إذا رجعت إلي ، وأنا حي أقمت عندي حتى يوحى إلي بأمره أو يتوفاني ، فتدفنني ، وإن وجدتني ميتا دفنتني وذهبت ، قال له : ذلك لك علي ، فقال له : سر كما أنت على هذا البحر ، فإنك ستأتي دابة ترى آخرها ، ولا ترى أولها ، فلا يهولنك أمرها ، اركبها فإنها دابة معادية الشمس ، إذا طلعت أهوت إليها لتلتقمها ، حتى تحول بينها ، وبين حجبتها ، فإذا غربت أهوت إليها لتلتقمها ، تذهب بك إلى جانب البحر ، فسر عليها زحفا حتى تنتهي إلى النيل ، فسر عليها فإنك ستبلغ أرضا من حديد ، حياتها وأشجارها ، وسهولها حديد ، فإن أنت جزتها ، وقعت في أرض من نحاس ، جبالها وأشجارها ، وسهولها من نحاس ، فإن أنت جزتها ، وقعت في أرض من فضة ، جبالها ، وأشجارها ، وسهولها من فضة ، فإن أنت جزتها ، وقعت في أرض من ذهب ، جبالها وأشجارها ، وسهولها من ذهب ، فيها ينتهي إليك علم النيل .

قال : فسار حتى انتهى إلى الأرض الذهب ، فسار فيها حتى انتهى إلى سور من ذهب ، وشرفة من ذهب ، وقبة من ذهب ، له أربعة أبواب ، ونظر إلى ما ينحدر من فوق ذلك السور ، حتى [ ص: 1423 ] يستقر في القبة ، ثم يتفرق في الأبواب الأربعة ، فأما ثلاثة فتفيض في الأرض ، وأما واحد فينشق على وجه الأرض ، وهو النيل ، فشرب منه واستراح ، وانهوى إلى السور ليصعد ، فأتاه ملك ، فقال له : يا حائد ! ، قف مكانك ، فقد انتهى إليك علم هذا النيل ، وهذه الجنة ، وإنما ينزل من الجنة ، فقال : أريد أن أنظر ما في الجنة ، فقال : إنك لن تستطيع دخولها اليوم يا حائد ! . قال : فأي شيء هذا الذي أرى ؟ قال : هذا الفلك الذي يدور فيه الشمس والقمر ، وهو شبه الرحى ، قال : إني أريد أن أركبه فأدور فيه .

قال بعض العلماء : إنه قد ركبه في دار الدنيا ، وقال بعضهم : لم يركب ، فقال له : يا حائد ! إنه سيأتيك من الجنة رزق ، فلا تؤثرن عليه شيئا من الدنيا ، فإنه لا ينبغي لشيء من الجنة ، يؤثر عليه شيء من الدنيا ، إن لم يؤثر عليه شيء من الدنيا بقي ما بقيت ، قال : فبينا هو كذلك واقفا ، إذ نزل عليه عنقود من عنب ، فيه ثلاثة أصناف : لون كالزبرجد الأخضر ، ولون كالياقوت الأحمر ، ولون كاللؤلؤ الأبيض ، ثم قال : يا حائد ! ، أما إن هذا من حصرم الجنة ، وليس من طيب عنبها ، فارجع يا حائد ! ، فقد انتهى إليك علم النيل ، فقال : هذه الثلاثة التي تغيض في الأرض ما هي ؟ قال : أحدها الفرات ، والآخر الدجلة ، والآخر جيحان ، فارجع ، فرجع ، حتى انتهى إلى الدابة فركبها ، فلما هوت الشمس لتغرب قذفت به من جانب البحر فأقبل حتى انتهى إلى عمران ، فوجده حين مات فدفنه ، وأقام على قبره ثلاثا ، فأقبل شيخ متشبه بالناس ، أغر من السجود ، فبكى على عمران ، ثم أقبل على حائد ، فسلم عليه ، ثم قال : يا حائد ! ، ما انتهى إليك من علم هذا النيل ؟ فأخبره ، فلما أخبره ، قال له الرجل : [ ص: 1424 ] هكذا نجده في الكتب .

ثم أطرى ذلك التفاح في عينه ، فقال : ألا تأكل منه ؟ قال : معي رزقي قد أعطيته من الجنة ، ونهيت أن أوثر عليه شيئا من الدنيا ، فقال : صدقت يا حائد ! ، ولا ينبغي لشيء من الجنة ، يؤثر عليه شيء من الدنيا ، وهل رأيت في الدنيا مثل هذا التفاح ؟ ، إنما أنبت في أرض ليست في الدنيا ، وإنما هذه الشجرة أخرجها الله - عز وجل - لعمران من الجنة يأكل منها ، وما تركها إلا لك ، ولو قد وليت عنها لقد رفعت ، فلم يزل يطريها في عينه حتى أخذ منها تفاحة فعضها ، فلما عضها عض على يده ، فقال : تعرفه ؟ هذا الذي أخرج أباك من الجنة ، أما إنك لو سلمت بهذا الذي كان معك لأكل منه أهل الدنيا قبل أن ينفد ، فهو مجهودك أن يبلغك ، فكان مجهوده أن بلغه ، فأقبل حائد حتى دخل أرض مصر ، فأخبرهم بهذا ، فمات حائد بأرض مصر - رحمة الله عليه - " .

التالي السابق


الخدمات العلمية