صفحة جزء
[ ص: 163 ] بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ الإمام الحافظ أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن بطة ، رضي الله عنه : الحمد لله المشكور على النعم بحق ما يطول به منها ، وعند شكره بحق ما وفق له من شكره عليها ، فالنعم منه والشكر له ، والمزيد في نعمه بشكره ، والشكر من نعمه لا شريك له ، المحمود على السراء والضراء ، والمتفرد بالعز والعظمة والكبرياء ، العالم قبل وجود المعلومات ، والباقي بعد فناء الموجودات ، المبتدئ بالنعم قبل استحقاقها ، والمتكفل للبرية بأرزاقها قبل خلقها ، أحمده حمدا يرضيه ويزكينا لديه ، وصلى الله أولى صلواته على النبي الطاهر عبده ورسوله مفتاح الرحمة ، وخاتم النبوة ، الأول منزلة ، والآخر رسالة ، الأمين فيما استودع ، والصادق فيما بلغ . أما بعد : يا إخواني عصمنا الله وإياكم من غلبة الأهواء ومشاحنة الآراء ، وأعاذنا وإياكم من نصرة الخطأ ، وشماتة الأعداء ، [ ص: 164 ] وأجارنا وإياكم من غير الزمان وزخاريف الشيطان ، فقد كثر المغترون بتمويهاتها ، وتباهى الزائغون والجاهلون بلبسة حلتها ، فأصبحنا وقد أصابنا ما أصاب الأمم قبلنا ، وحل الذي حذرناه نبينا صلى الله عليه وسلم ، من الفرقة والاختلاف ، وترك الجماعة والائتلاف ، وواقع أكثرنا الذي عنه نهينا ، وترك الجمهور منا ما به أمرنا ، فخلعت لبسة الإسلام ، ونزعت حلية الإيمان ، وانكشف الغطا وبرح الخفا ، فعبدت الأهواء واستعملت الآراء ، وقامت سوق الفتنة وانتشرت أعلامها ، وظهرت الردة ، وانكشف قناعها ، وقدحت زناد الزندقة فاضطرمت نيرانها ، وخلف محمد صلى الله عليه وسلم [ ص: 165 ] في أمته بأقبح الخلف ، وعظمت البلية واشتدت الرزية ، وظهر المبتدعون وتنطع المتنطعون ، وانتشرت البدع ومات الورع ، وهتكت سجف المشاينة ، وشهر سيف المحاشة بعد أن كان أمرهم هينا وحدهم لينا وذاك حتى كان أمر الأمة مجتمعا ، والقلوب متآلفة والأئمة عادلة والسلطان قاهرا والحق ظاهرا ، فانقلبت الأعيان ، وانعكس الزمان ، وانفرد كل قوم ببدعتهم ، وحزب الأحزاب ، وخولف الكتاب ، واتخذ أهل الإلحاد رؤوسا أربابا ، وتحولت البدعة إلى أهل الاتفاق ، وتهوك في العسرة العامة وأهل الأسواق ، ونعق إبليس بأوليائه نعقة فاستجابوا له من كل ناحية ، وأقبلوا نحوه مسرعين من كل قاصية ، فألبسوا شيعا وميزوا قطعا وشمتت بهم أهل الأديان السالفة والمذاهب المخالفة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وما ذاك إلا عقوبة أصابت القوم عند تركهم أمر الله ، وصدفهم عن الحق وميلهم إلى الباطل وإيثارهم أهواءهم ، ولله عز وجل عقوبات في خلقه عند ترك أمره ومخالفة رسله ، فأشعلت نيران البدع في الدين ، وصاروا إلى سبيل المخالفين فأصابهم ما أصاب من قبلهم من الأمم الماضين ، وصرنا في أهل العصر الذين وردت فيهم الأخبار ورويت فيهم الآثار .

[ ص: 166 ]

التالي


الخدمات العلمية