صفحة جزء
1584 - حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار النحوي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا القاسم بن يزيد الهمداني ، حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا نوح بن قيس ، قال : حدثنا سلامة الكندي ، قال : قال شيخ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه عند منصرفه من الشام ، أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام ، أبقضاء من الله وقدر أم غيرهما ؟ قال علي رحمه الله : والذي خلق الحبة وبرأ النسمة ، ما علوتم تلة ، ولا هبطتم واديا إلا بقضاء من الله وقدره ، قال الشيخ : عند الله أحتسب عنائي وإليه أشكو خيبة رجائي ، ما أجد [ ص: 142 ] لي من الأجر شيئا ؟ قال : بلى ، قد أعظم الله لكم الأجر على مسيركم وأنتم سائرون وعلى مقامكم وأنتم مقيمون ، وما وضعتم قدما ، ولا رفعتم أخرى ، إلا وقد كتب الله لكم أجرا عظيما . قال الشيخ : كيف يا أمير المؤمنين والقضاء والقدر ساقانا وعنهما وردنا وصدرنا ؟ فقال علي رضي الله عنه : أيها الشيخ! لعلك ظننته قضاء جبرا وقدرا قسرا ، لو كان ذلك كذلك لبطل الأمر والنهي ، والوعد والوعيد ، وبطل الثواب والعقاب ، ولم يكن المحسن أولى بمثوبة الإحسان من المسيء ، ولا المسيء أولى بعقوبة الإساءة من المحسن .

قال الشيخ : فما القضاء والقدر ؟ قال علي : العلم السابق في اللوح المحفوظ والرق المنثور بكل ما كان وبما هو كائن ، وبتوفيق الله ومعونته لمن اجتباه بولايته وطاعته وبخذلان الله وتخليته لمن أراد له وأحب شقاه بمعصيته ومخالفته ، فلا تحسبن غير ذلك فتوافق مقالة الشيطان وعبدة الأوثان وقدرية هذه الأمة ومجوسها ، ثم إن الله عز وجل أمر تحذيرا ونهى تخييرا ولم يطع غالبا ولم يعص مغلوبا ، ولم يك في الخلق شيء حدث في علمه ، فمن أحسن فبتوفيق الله ورحمته ، ومن أساء فبخذلان الله وإساءته هلك ، لا الذي أحسن استغنى عن توفيق الله ، ولا الذي أساء عليه ولا استبد بشيء يخرج به عن قدرته ، ثم لم يرسل الرسل باطلا ، ولم ير الآيات والعزائم عبثا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار .

التالي السابق


الخدمات العلمية