صفحة جزء
باب ما روي في جهم وشيعته الضلال ، وما كانوا عليه من قبيح المقال

317 - حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق ، قال : نا أبو محمد عبد الله بن ثابت بن يعقوب التوزي المقري ، أخبرني أبي ، عن الهذيل بن حبيب ، عن مقاتل بن سليمان ، قال : " وكان مما علمنا من أمر عدو الله جهم أنه كان من أهل خراسان من أهل الترمذ ، وكان صاحب خصومات وكلام ، وكان أكثر كلامه في الله ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ، قال : " تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله عز وجل " فلقي جهم ناسا يقال لهم : [ ص: 87 ] السمنية فعرفوا جهما ، فقالوا له : نكلمك فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا ، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك ، فكان مما كلموا به جهما أن قالوا له : ألست تزعم أن لك إلها ؟ . قال جهم : نعم . فقالوا : هل رأيت إلهك ؟ قال : لا . [ ص: 88 ] قالوا : أسمعت كلامه ؟ قال : لا . قالوا : فسمعت له حسا ؟ قال : لا . قالوا : فما يدريك أنه إله ؟ . قال : فتحير جهم ، فلم يصل أربعين يوما ، ثم استدرك حجته مثل حجة زنادقة النصارى ، وذلك أن زنادقة النصارى تزعم أن الروح التي في عيسى عليه السلام هي روح الله من ذاته كما يقال : إن هذه الخرقة من هذا الثوب فدخل في جسد عيسى فتكلم على لسان عيسى ، وهو روح غائب عن الأبصار ، فاستدرك جهم من هذه الحجة ، فقال للسمنية : ألستم تزعمون أن في أجسادكم أرواحا ؟ . قالوا : نعم . قال : هل رأيتم أرواحكم ؟ قالوا : لا . قال : أفسمعتم كلامها ؟ قالوا : لا . قال : أفشممتم لها رائحة ؟ قالوا : لا . قال جهم : فكذلك الله عز وجل لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة ، وهو في كل مكان ، لا يكون في مكان دون مكان ، ووجدنا ثلاث آيات في كتاب الله [ ص: 89 ] عز وجل ، قوله : ليس كمثله شيء ، وقوله : وهو الله في السماوات وفي الأرض ، وقوله : لا تدركه الأبصار فبنى أصل كلامه على هذه الثلاث الآيات ، ووضع دين الجهمية ، وكذب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتأول كتاب الله على تأويله ، فاتبعه من أهل البصرة من أصحاب عمرو بن عبيد ، وأناس من أصحاب أبي حنيفة فأضل بكلامه خلقا كثيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية