فإنما
قول الله عز وجل : لا تدركه الأبصار ، لا تحيط به لعظمته وجلاله ، ولكن
الجهمي عدو الله إنما ينزع إلى المتشابه ليفتن الجاهل . قالت
الجهمية : إنما معنى قوله :
إلى ربها ناظرة ، إنما أراد بذلك الانتظار ، فخالفت في ذلك بهذا التأويل جميع لغات العرب ، وما يعرفه الفصحاء من كلامها ؛ لأن القرآن إنما نزل بلسان العرب ، قال الله تعالى :
وهذا لسان عربي مبين [ ص: 73 ] .
وقال :
قرآنا عربيا غير ذي عوج ، فليس يجوز عند أحد ممن يعرف لغات العرب ، وكلامها أن يكون معنى قوله :
إلى ربها ناظرة الانتظار .
ألا ترى أنه لا يقول أحد : إني أنظر إليك يعني أنتظرك ، وإنما يقول : أنتظرك ، فإذا دخل في الكلام إلى ، فليس يجوز أن يعني به غير النظر ، يقول : أنظر إليك ، وكذلك قوله :
إلى ربها ناظرة ، ولو أراد الانتظار لقال : لربها منتظرة ، ولربها ناظرة ، وذلك كله واضح بين عند أهل العلم ، ممن وهب الله له علما في كتابه ، وبصرا في دينه .
فاعلم أن كل شيء معناه الانتظار فإنه لا يكون بالتخفيف ، ولا يكون إلا بالتثقيل ، فأما ما عني به الانتظار ، فقوله :
هل ينظرون إلا الساعة ، معناه هل ينتظرون إلا الساعة ، ونظير ذلك ، وشبهه وشاهده :
فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ، فتبين أن التثقيل إنما هو في الانتظار ، كقوله : ينتظرون ثم قال : إلا فثقل .
وقال :
هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله ، فهذا انتظار مثقل ، وقال :
هل ينظرون إلا تأويله ، يعني : ينتظرون ، فثقل
[ ص: 74 ] .
وقال مما هو بمعنى النظر فخفف :
أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم ، فلما كان معناه النظر ، قال :
إلى فخفف .
وقال :
انظروا إلى ثمره إذا أثمر .
وقال :
أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ؟
وكذلك قوله تعالى :
إلى ربها ناظرة معناه : النظر .