صفحة جزء
[ ص: 33 ] بسم الله الرحمن الرحيم

رب يسر وأعن

أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر ابن الزاغوني ، قال : أخبرنا الشيخ أبو القاسم علي بن أحمد بن [ ص: 34 ] محمد بن البسري ، قال : أخبرنا الشيخ أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن بطة إجازة ، قال : [ ص: 35 ]

باب خلافة عثمان بن عفان أمير المؤمنين رضي الله عنه .

و عثمان بن عفان رحمة الله عليه وعلى جميع الصحابة ، أحد الصحابة السابقين الأولين من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأجلين ممن استجاب لله وللرسول في أول دعوته فسبق بإسلامه ، ونصح لله ولرسوله [ ص: 36 ] في إيمانه ، فحسن في الإسلام ولاؤه ، وعظم فيه غناؤه ، وتقدمت هجرته [ ص: 37 ] وقربت قرابته صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنتيه ، وخليفته بعد خليفتيه أحد الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين ، الذين وعدهم بالاستخلاف لهم في الأرض ، والتمكين لهم فيها بالحق والدين ، الذي ارتضاه لهم ، ويبدلهم من بعد خوفهم أمنا ، حتى يعبدوا الله وحده ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر وكذلك وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الخلافة ثلاثون سنة ، فكانت [ ص: 38 ] خلافة عثمان منها اثنتي عشرة سنة ، فنجز وعد الله ، وتمت كلمة الله ، [ ص: 39 ] وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودحضت حجة من كفر بالله .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه " . [ ص: 40 ] [ ص: 41 ]

وقال علي رضي الله عنه : " إن عمر كان رشيد الأمر ، وإنه ناصح الله فنصحه " . [ ص: 42 ]

فكان من رشاد عمر ونصحه لله ولرسوله ولجماعة المسلمين ، وذلك بتوفيق الله له : أن جعل الأمر بعده شورى في ستة نفر من المهاجرين الأولين ممن شهد الله لهم بالرضى عنهم ، فشهدوا بيعة الرضوان ، [ ص: 43 ] ومن شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، أصحاب [ ص: 44 ] حراء وأهل [ ص: 45 ] بدر والحديبية ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وأخرج [ ص: 46 ] ولده وعصبته منها ، وقال لهم : " إذا أجمعتم على واحد منكم فهو [ ص: 47 ] الخليفة عليكم " ، وكانوا ستة رهط : عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن ، فاجتمعوا ثلاثة أيام متوالية لا يألون جهدا والأمة نصحا ، فرضوا أجمعون بعثمان بن عفان رضي الله عنه ، فكان أول من بايعه علي بن أبي طالب وبقية الرهط ، ثم على أثرهم جميع الصحابة من المهاجرين والأنصار وهم به [ ص: 48 ] وبخلافته راضون ، لم يختلف فيه اثنان ، ولم تفترق فيه فئتان ، [ ص: 49 ] وذلك لما عرفوا من فضله ، وسبق إسلامه وتقديم رسول الله له ، وما كان من عظيم عنائه في الإسلام ، وحسن بلائه ، وكثرة مناقبه وسوابقه ، والمآثر التي كانت منه في مصالح المسلمين وتأييد الإسلام ، حتى شاعت وذاعت وكثرت فشهرت ، لا يشكك فيها أحد تذوق طعم الإيمان ، ولا أحد تنشق روائح الإسلام ، ولا ينكرها ويأبى قبولها إلا عبد شقي يغمص الإسلام وأهله ، قد غل صدره [ ص: 50 ] ونغل قلبه وحرم التوفيق ، وعدل به عن الرشاد ، وغلبه الهوى ، فحل به الشقاء .

وسأذكر من موجبات خلافته ، وما دل على صحته إمامته ومن مناقبه وسوابقه ، وفضائله وشرفه وما فضله الله به وأعلاه ، وأكرمه به وحباه ما إذا سمعه المؤمن الكيس العاقل كان ذلك زيادة في إيمانه ، وقوة في بصيرته ، وإن سمعه جاهل قد غشي بصره ، وزاغ قلبه ، [ ص: 51 ] فأحب الله به خيرا ، رده عن جهالته ونجاه من صبوته فاستخلصه من يد شيطانه ، فرجع عن قبيح مذهبه إلى طريقة أهل البصيرة والهدى ، وإن أبى إلا الإقامة في غلوائه ، والإصرار على عماه ، كان ذلك زيادة في الحجة عليه ، والله حسيبه وهو حسبنا ونعم الوكيل .

فأما ما دل على خلافته ، ووضحت به إمامته ، فقد قدمت من ذكره في هذا الكتاب من نص التنزيل ، وإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم في خلافة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ، وهم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم . [ ص: 52 ] [ ص: 53 ] [ ص: 54 ]

وعثمان رحمه الله أخذ من ذلك بأكمل حظ وأوفر نصيب ونذكر في هذا الموضع من فضائله ، وما اختص به في ذات نفسه من الفضائل الرفيعة ، والمناقب الشريفة ، وما جعله الله أهلا له ، ما في بعضه كفاية لأهل الدراية .

فأول ذلك تصديقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسبقه إلى الإيمان ، ودخوله في جملة السابقين الأولين ، وقرابته القريبة برسول الله صلى الله عليه وسلم وتزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم له بابنتيه وذلك بوحي من الله ، وأمر منه له بذلك ، وما كان قط من بدو الدنيا إلى انقضائها رجل صاهر نبيا على ابنتيه ، وتزوج بابنتي نبي إلا عثمان بن عفان ، [ ص: 55 ] وبذلك سمي ذا النورين فهو من خير الأصهار لخير الأحماء ، وتحته خير الأزواج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله أمرني أن أزوج كريمتي عثمان بن عفان " ، فزوجه رقية فلما ماتت قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا عثمان ، إن هذا جبريل يخبرني أن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية على مثل صحبتها " . [ ص: 56 ] [ ص: 57 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية