الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
12 - ومما فرعته على القاعدة قول الإمام الأعظم فيما إذا قال لعبده الأكبر سنا منه : هذا ابني فإنه أعمله عتقا مجازا عن هذا حر ، وهما أهملاه ، وقال في المنار من بحث الحروف من أو : وقالا إذا قال لعبده ودابته : هذا حر أو هذا : إنه باطل 13 - ; لأنه اسم لأحدهما غير معين ، وذلك غير محل للعتق ، وعنده هو [ ص: 403 ] كذلك لكن على احتمال التعيين حتى لزمه التعيين ، كما في مسألة العبدين ، والعمل بالمحتمل أولى من الإهدار ، فجعل ما وضع لحقيقته مجازا يحتمله ، وإن استحالت حقيقته ، وهما ينكران الاستعارة عند استحالة الحكم ( انتهى ) .

قيد بأو ; لأنه لو قال لعبده ، ودابته : أحدكما حر عتق بالإجماع كما في المحيط 14 - وبينا الفرق في شرح المنار 15 - ومنها لو وقف على أولاده ، وليس له إلا أولاد أولاد حمل عليهم صونا للفظ عن الإهمال عملا بالمجاز ، وكذا لو وقف على مواليه وليس له موال وإنما له موال استحقوا ، كما في التحرير . وليس منها ما لو أتى بالشرط والجواب بلا فاء ، فإنا لا نقول بالتعليق لعدم إمكانه فيتنجز ولا ينوي ، خلافا لما روي عن أبي يوسف رحمه الله ، وكذا أنت طالق في مكة فيتنجز إلا إذا أراد في دخولك مكة فيدين ، وإذا دخلت مكة تعليق . وقد جعل الإمام الأسيوطي من فروعها ما وقع في فتاوى السبكي فنذكر [ ص: 404 ] كلامهما بالتمام ، ثم نذكر ما يسره الله تعالى مما يناسب أصولنا . قال السبكي : لو أن رجلا وقف عليه ثم على أولاده ثم على أولادهم ونسله وعقبه ذكرا وأنثى للذكر مثل حظ الأنثيين . على أن من توفي منهم عن ولد أو نسل عاد ما كان جاريا عليه من ذلك على ولده ثم ولد ولده ثم على نسله على الفريضة ، وعلى أن من توفي عن غير نسل عاد ما كان جاريا عليه على من كان درجته من أهل الوقف المذكور ; يقدم الأقرب إليه فالأقرب .


[ ص: 402 ] قوله : ومما فرعته على القاعدة المذكورة قول الإمام الأعظم إلخ : قيل : يحتاج هذا الفرع - مع فرع المرأة المعروفة لأبيها إذا قال لها : هذه بنتي لم تحرم - إلى الفرق لأبي حنيفة الفرق بينهما أن الحرمة الثابتة بقوله : هذا ابني لا ينافي الملك ; لأن عمله في الحقيقة من حين ملكه لا انتفاء الملك من الأصل ، وعمله في المجاز عتقه من حين ملكه أيضا ، وصلح مجازا بخلاف قوله للمرأة المعروفة النسب : هذه بنتي فإن الحرمة الثابتة به تنافي النكاح والمحلية ، والحرمة الثابتة بالطلاق تثبت النكاح ، والمحلية فلم تجز استعارته للطلاق المحرم كما قدمناه قريبا .

( 13 ) قوله : ; لأنه اسم لأحدهما غير معين إلخ : يعني أن أو لأحد الشيئين أعم من كل منهما على التعيين ، والأعم يجب صدقه على الأخص ، والواحد الأعم الذي يصدق عليه العبد والدابة غير صالح للعتق ، وإنما يصلح له الواحد المعين الذي هو العبد ، وفيه بحث ; لأن إيجاب العتق إنما هو على ما يصدق عليه أنه أحد الشيئين لا على المفهوم العام ، إذا لا أحكام تتعلق بالذوات لا بالمفهومات .

هكذا ذكره صاحب التلويح ، ويمكن أن يجاب عنه بأنه لما لم يكن ما صدق عليه أحد الشيئين غير عين صالحا للإيجاب ، وبدون صلاحية لمحل لا يصح الإيجاب أصلا ، وعند الإمام هو كذلك ، أي هو اسم لأحدهما غير عين ، وأنه ليس بمحل لكن يحتمل أحدهما على التعيين مجازا حتى لزمه التعيين في مسألة العبدين كما في الإقرار ، ولو لم يكن يحتمل كلامه لم يجبر عليه إذ المرء لا يجبر على بيان شيء لم يكن من محتملات كلامه ، ولما تعذر العمل بالحقيقة ، أعني الواحد الغير المعين فالعمل بمجاز أعني الواحد المعين أولى من إلغاء الكلام وإبطاله ، وهذا الخلاف مبني على أصل مختلف فيه ، وهو أن المجاز خلف عن الحقيقة في التكلم [ ص: 403 ] عنده فيصار إلى المجاز عند عدم صحة التكلم ، وإن استحال حكم الحقيقة وعندهما : المجاز خلف عن الحقيقة في الحكم فلا يصار إلى المجاز عند استحالة حكم الحقيقة فيلغو .

ثم ظاهر هذا الكلام يشير إلى أنه لو نوى عبده بهذا الإيجاب لا يعتق عندهما أيضا ; لأن اللغو لا حكم له ، وذكر في المبسوط أنه يعتق عبده إذا نوى .

( 14 ) قوله : وبينا الفرق في شرح المنار إلخ : وهو أن قوله : أو هذا تخيير ، وقوله : أحدكما حر إيقاع ، فإنما يقع على من يقبل العتق فأما التخيير فيصح بين من يقبل العتق ، ومن لا يقبله كذا في المحيط انتهى ، وفيه تأمل

التالي السابق


الخدمات العلمية