الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
[ ص: 431 ] القاعدة العاشرة : { الخراج بالضمان } 1 - هو حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث عائشة رضي الله عنها ، وفي بعض طرقه ذكر السبب ; وهو { أن رجلا ابتاع عبدا فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ، ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم فرده عليه فقال الرجل : يا رسول الله قد استعمل غلامي . فقال : الخراج بالضمان } .

قال أبو عبيد : الخراج في هذا الحديث غلة العبد ; يشتريه الرجل فيستعمله زمانا ثم يعثر منه على عيب دلسه البائع فيرده ويأخذ جميع الثمن ويفوز بغلته كلها ; لأنه كان في ضمانه ، ولو هلك هلك من ماله ( انتهى ) . وفي الفائق : كل ما خرج من شيء فهو خراجه ; فخراج الشجرة ثمره ، وخراج الحيوان دره ونسله ( انتهى ) .

وذكر فخر الإسلام في أصوله [ ص: 432 ] أن هذا الحديث من جوامع الكلم ، لا يجوز نقله بالمعنى .

وقال أصحابنا رحمهم الله في باب خيار العيب : إن الزيادة المنفصلة غير المتولدة من الأصل لا تمنع الرد بالعيب ، كالكسب والغلة ، وتسلم للمشتري ولا يضر حصولها له مجانا ; لأنها لم تكن جزءا من المبيع فلم يملكها بالثمن ، وإنما ملكها بالضمان وبمثله يطيب الربح للحديث . وهنا سؤالان لم أرهما لأصحابنا . رحمهم الله : أحدهما : لو كان الخراج في مقابلة الضمان لكانت الزوائد قبل القبض للبائع ، تم العقد أو انفسخ ، لكونه من ضمانه ولا قائل به . وأجيب بأن الخراج يعلل قبل القبض بالملك وبعده به وبالضمان معا . 3 -

واقتصر في الحديث على التعليل بالضمان لأنه أظهر عند البائع وأقطع لطلبه [ ص: 433 ]

واستبعاده أن الخراج للمشتري . الثاني : لو كانت الغلة بالضمان لزم أن تكون الزوائد للغاصب ، لأن ضمانه أشد من ضمان غيره . وبهذا احتج لأبي حنيفة رحمه الله في قوله أن الغاصب لا يضمن منافع الغصب . وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم

5 - قضى بذلك في ضمان الملك وجعل الخراج لمن هو مالكه إذا تلف تلف على ملكه ، وهو المشتري . والغاصب لا يملك المغصوب ، 6 -

وبأن الخراج هو المنافع جعلها لمن عليه الضمان ، ولا خلاف أن الغاصب لا يملك المغصوب ، بل إذا أتلفها فالخلاف في ضمانها عليه فلا يتناول موضع الخلاف ، ذكره الأسيوطي . وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله فيما إذا دفع الأصيل الدين إلى الكفيل قبل الأداء عنه ، فربح الكفيل فيه وكان مما يتعين ، أن الربح يطيب له ، واستدل لهما في فتح القدير بالحديث ; وقال الإمام يرده على الأصيل في رواية ، ويتصدق به في رواية . وقالوا في [ ص: 434 ] البيع الفاسد إذا فسخ فإنه يطيب للبائع ما ربح لا للمشتري . 7 -

والحاصل أن الحنث إن كان لعدم الملك فإن الربح لا يطيب كما إذا ربح في المغصوب والأمانة ، ولا فرق بين المتعين وغيره ، وإن كان لفساد الملك طاب فيما لا يتعين لا فيما يتعين ، ذكره الزيلعي في باب البيع الفاسد


[ ص: 431 ] قوله : هو حديث صحيح رواه أحمد إلخ . قال الخطابي : لفظ الحديث مبهم يحتمل أن يكون معناه : إن ملك الخراج بضمان الأصل واقتضاء المعلوم من المبهم ليس بالمهين الجواز . والحديث في نفسه ليس بالقوي إلا أن أكثر العلماء قد استعملوه في البيوع ، والأحوط أن يتوقف عنه فيما سواه . قال البخاري : هذا حديث منكر ولا أعرف لمخلد بن خفاف غير هذا الحديث . وقال الزركشي في القواعد : هو حديث صحيح يعني صححه الترمذي وابن حبان والحاكم وابن القطان والمنذري والذهبي ، والبخاري وإن ضعفه إلا أن ابن عدي قال : كنا نظن أن هذا الحديث لم يروه عن مخلد [ ص: 432 ] إلا ابن أبي ذئب فيما ذكره البخاري حتى وجدناه من رواية يزيد بن عياض عن مخلد . هذا ملخص ما في مرقاة الصعود شرح سنن أبي داود للجلال السيوطي .

( 2 ) قوله : إن هذا الحديث من جوامع الكلم لا يجوز نقله بالمعنى إلخ . إذ يعجز غيره عن الإتيان به لأنه مخصوص به صلى الله عليه وسلم فلا قدرة لأحد عليه ، فإذا نقل وبدل خرج عن جوامع الكلم إذ هو مخصوص به ، ومثل ما كان من جوامع الكلم ما تعبد بألفاظه كالأذان والتشهد فإنه لا يجوز نقله بالمعنى . والخلاف في نقل الحديث بالمعنى في غير هذين .

( 3 ) قوله : واقتصر في الحديث على التعليل بالضمان إلخ . فيه أنه ليس في الحديث أداة تعليل ، اللهم إلا أن يقال الباء في الحديث للسببية ، والسبب يصلح أن يكون علة مجازا . [ ص: 433 ]

( 4 ) قوله : واستبعاده أن إلخ . عطف على طلبه والضمير للبائع والإضافة فيه من إضافة المصدر إلى فاعله ، وقوله : إن الخراج للمشتري مفعول الاستبعاد .

( 5 ) قوله : قضى بذلك في ضمان الملك إلخ . وحاصله أن المراد بالضمان ضمان خاص فاللام فيه للعهد ، ويرد عليه أن العبرة لعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر .

( 6 ) قوله : وبأن الخراج هو المنافع إلخ . جواب آخر والظاهر أنه يئول إلى الأول لكن التصرف في الأول في جانب الضمان بأن المراد منه ضمان خاص ، والتصرف في الثاني في جانب الخارج يجعله عين المنافع لكن مع تقرير التصرف في جانب الضمان بأن المراد منه ضمان الملك كما دل عليه قوله : ولا ملك للغاصب فتدبر . [ ص: 434 ]

( 7 ) قوله : والحاصل أن الحنث إلى آخره . قيل عليه : يشكل على هذا الحاصل مسألة الوكيل المتقدمة فإنه لا ملك فيها أصلا مع أنه ذكر أنه يطيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية