الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
6 - والمطهرات للنجاسة خمسة عشر : 7 - المائع الطاهر القالع ، [ ص: 8 ] ودلك النعل بالأرض ، 9 - وجفاف الأرض بالشمس ، [ ص: 9 ] ومسح الصيقل ، 11 - ونحت الخشب ، 12 - وفرك المني من الثوب ، [ ص: 10 ] ومسح المحاجم بالخرق المبتلة بالماء ، 14 - والنار ، وانقلاب العين ، والدباغة ، 15 - والتقور في الفأرة إذا ماتت في السمن الجامد ، [ ص: 11 ] والذكاة من الأهل في المحل ، 17 - ونزح البئر ، 18 - ودخول الماء من جانب وخروجه من جانب آخر ، وحفر الأرض بقلب الأعلى أسفل . وذكر بعضهم أن قسمة المثلي من المطهرات ; فلو تنجس بئر فقسم طهر . وفي التحقيق لا يطهر وإنما جاز لكل الانتفاع بالشك فيها حتى لو جمع عادت .


( 6 ) قوله : والمطهرات للنجاسة خمسة عشر . أقول : قد أوصلها ابن الشحنة إلى ثلاثة وعشرين ونظمها العلامة عمر بن نجيم أخو المصنف فقال :

لنظم الخبايا في الزوايا يحبه أولو الفضل تحصيلا لفقه تعزلا     وقد ذكروا أن المطهر عشرة
وزادوا ثلاثا ثم عشرا عن الملا     فغسل وتخليل وفرك تخلل
ونحت وحفر مع جفاف تحصلا     ونزح وقد غارت دخول تقور
ومسح وقلب العين والشيء قد غلا     ونار وندف قسمة مع دلكه
ذكاة ودبغ الجلد إن يقبل أدخلا     تصرفه في البعض أو غسل بعضه
كذاك فكن ذا فطنة متأملا     فهذا قصارى ما تيسر جمعه
وفي بعضه شيء فلا تك مهملا

.

قوله : المطهرات للنجاسة . التطهير إما إثبات الطهارة أو إزالة النجاسة وكل منهما يستدعي ثبوت نجاسة المحل حكميا أو حقيقيا لئلا يلزم إثبات الثابت أو إزالة المزال ، فإن فسر بالإزالة فحسن وإن فسر بإثبات الطهارة فالمراد تطهير المحل من النجاسة كذا في المستصفى . ( 7 ) قوله : المائع الطاهر القالع . المائع السائل من ماع يميع إذا سال وهو شامل للماء المستعمل ، وهذا عند محمد ورواية عن الإمام وعليه الفتوى ، وقال أبو يوسف : النجاسة الغليظة زالت به ولكن نجاسة الماء باقية ، وقيل : إذا غسل النجاسة ببول ما يؤكل لحمه فكذلك ، والأصح أنه لا يطهر به نجس كما في الزاهدي . والمراد بالقالع [ ص: 8 ] المزيل الذي ينعصر بالعصر واحترز به عما لا ينعصر بالعصر كالدهن والزيت واللبن وغيرهما فإنه لا يزول به النجاسة بالإجماع ، كما في الحقائق لكن في الزاهدي عن أبي يوسف رحمه الله إذا ذهب أثر الدم عن الثوب بالدهن أو الزيت جاز لكن لم يجز في البدن ، وحاصل أصل المسألة راجع إلى أصل وهو أن الماء لا ينجس حال الاستعمال لأن النجاسة لا تحل محلين ففي حال المعالجة لم تزايل العضو فلم يحل الماء فيعدى إلى سائر المائعات لأنها تزيل عنه النجاسة وأثرها . فوجب أن تقيد الطهارة كالماء بالأولى لأن الخل أقلع للنجاسة من الماء لأنه يزيل اللون والدسومة والماء لا يزيلهما ، وهذا لأن نجاسة المحل إنما كانت لمجاورة عين النجاسة به فإذا زال عينها بقي المحل طاهرا كما كان . وقال محمد : ينجس الماء كلما لاقى النجس والنجس لا يفيد الطهارة إلا أن هذا القياس ترك في الماء ضرورة إمكان التطهير الذي كلفنا به فبقي ما عداه على أصل القياس .

( 8 ) قوله : ودلك النعل بأرض إلخ . ونحوه كالخف والفرو من نجس ذي جرم جف سواء كان الجرم من نفسه أو غيره يكون مطهرا له وهذا عند الشيخين وهو الصحيح وقال محمد بالغسل لا غير ، وروى رجوحه كما في المحيط . وقال أبو يوسف : يطهر الخف في الرطبة أيضا إذا مسحه بالتراب لأنه يجذب رطوبتها ويصير كالتي جفت وعليه الفتوى وفي الزاهدي : إذا أصاب نعله بول أو خمر فمشى على التراب ولزق به وجف فمسحه بالأرض طهر عند الإمام . وتقيد الدلك بالأرض رواية الأصل . وذكر في الجامع الصغير أنه إن حكه أو حته بعد ما يبس طهر . وينبغي أن يذكر المصنف رحمه الله ذهاب الأثر كما في مختصر القدوري وفي التمرتاشي نقلا عن أبي اليسر أن الخف إنما يطهر بالدلك إذا أصاب النجس موضع الوطء فإن أصاب ما فوقه لا يطهر إلا بالغسل والصحيح أنه على الاختلاف . واعلم أن المراد بالفرو الذي يطهر بالدلك الوجه الذي لا شعر عليه أما الوجه الذي عليه الشعر فلا يطهر إلا بالغسل . وفي صلاة البقالي أن الخف الغير المدبوغ لا يطهر إلا بالغسل كما في التمرتاشي .

( 9 ) قوله : وجفاف الأرض بالشمس ، أي ذهاب نداوتها بالشمس أو غيرها مع [ ص: 9 ] ذهاب الأثر أي الريح والتعبير بالجفاف أولى من اليبس الواقع في عبارة النقاية وغيرها فإنه المشروط دون اليبس كما دل عليه عبارات الفقهاء ، والمراد بالأرض التراب وما في حكمه كالحجر والجص والآجر واللبن ونحوها مما هو موضوع فيها ، بخلاف ما عليها فإنها لا تطهر إلا بالغسل وكذا حكم ما اتصل بها من غيرها من النبات سواء كان في بناء أو كالخص بالضم وهو سترة السطح من القصب والخشب والكلأ رطبا كان أو يابسا . والتقييد بالجفاف ليس للتخصيص بل المراد أنها تطهر بالجفاف كما تطهر بالغسل فلو صب على الأرض من الماء ما يغسل به ثوب نجس ثلاث مرات فقد طهرت ، كما روي عن محمد رحمه الله : وظاهر إطلاق المصنف رحمه الله أن تطهر بالجفاف في حق الصلاة والتيمم وهو رواية ابن شاس عن أصحابنا . لكنه خلاف الأصح كما في الزاهدي وخلاف ظاهر الرواية كما في التحفة . وذكر التمرتاشي في كون السطح بمنزلة الأرض روايتين والأصح أنه يطهر . قيل : هذا إذا كان التراب في الغلظ بمنزلة أربع أصابع ثم لا فرق في الجفاف بين أن يكون بالشمس أو الريح كما تقدم ، فقوله بالشمس ليس بقيد احترازي .

( 10 ) قوله : ومسح الصيقل كالسيف والمرآة مطهر له سواء كان النجس رطبا أو يابسا ، متجسدا كان أو غيره ، لما صح أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقتلون الكفار بسيوفهم ثم يمسحونها ويصلون معها . قيد بالصيقل لأن المحل لو كان خشنا أو منقوشا لا يطهر بالمسح . قال الكمال ويتفرع على طهارة الصيقل بالمسح لو كان على ظفره نجاسة فمسحها طهرت وكذلك الزجاجة والجريدة الخضراء والخشب الخراطي والبوريا والقصب . ( 11 ) قوله : ونحت الخشب . وكذا شقه على ما صرحوا به فيما يحتمل الشق . ( 12 ) قوله : وفرك المني من البدن . أي غمزه بيده أو حكه حتى يتفتت ، ومثله الثوب كما سيأتي قريبا وفيه إيماء إلى أنه لو اختلط ببوله على رأس الذكر أو بمذي لم يطهر به كما قال عامة المشايخ . وقال الفقيه أبو جعفر : إن مشايخنا لم يعتبروه لأنه [ ص: 10 ] صار تبعا للمني وإلى أن غير المني لا يطهر به وهو الصحيح كما في القنية لكن أطلق التمرتاشي أن الثوب يطهر عن الدم الغليظ بالفرك ، وقال أبو يوسف إنه يطهر عن العذرة الغليظة قياسا على المني كما في النوازل والمني شامل لمني كل حيوان فينبغي أن يطهر به وفي الكلام إشارة إلى أن المضغة والعلقة نجسان كالمني وبه صرح في النهاية وأطلق في المني فيشمل مني الرجل والمرأة وفي الخانية : مني المرأة لا يطهر بالفرك لأنه رقيق بمنزلة البول . ( 13 ) قوله : ومسح المحاجم بالخرق إلخ . خرق جمع خرقة والمراد أقل الجمع وهو ثلاثة قال في الملتقط : إذا مسح الرجل موضع المحجمة بثلاث خرقات رطبات أجزأه عن الغسل ( انتهى ) .

أقول : في القنية ما يخالفه فإنه قال : مسح الحجام موضع الحجامة مرة واحدة وصلى المحجوم أياما لا يجب عليه إعادة ما صلى إن زال الدم بالمرة الواحدة . ( 14 ) قوله : والنار إلخ . أي يطهر ما احترق كالروث إذا صار بالنار رمادا لأن العين تبدلت واستحالت إلى حقيقة أخرى فتبدل وصفها .

وهذا قول محمد رحمه الله وخالفه أبو يوسف رحمه الله وقال : النار لا تطهر ما احترق لأن التغير إنما حصل في وصفه والعين باقية فيبقى بحالها على نجاستها . وكذا الخلاف فيما إذا صارت العذرة حمأة أي طينا أسود والخنزير ملحا وما ذهب إليه محمد رحمه الله هو المختار ، وكذا يستفاد من المجمع وشرحه الملكي . ( 15 ) قوله : والتقور إلخ . أي التقوير على طريق استعمال مصدر الفعل اللازم في المتعدي كاستعمال الطهارة بمعنى التطهير ، والأصل في كون التقوير مطهرا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { سئل عن فأرة تموت في الدهن فقال : إن كان جامدا ألقيت الفأرة وما حولها وأكل الباقي وإن كان مائعا لا } " وفي رواية انتفع به ولم يؤكل ذكر هذا الحديث القلانسي في تهذيبه . [ ص: 11 ] قوله : والذكاة من الأهل في المحل . قال في القنية نقلا عن المحيط : ما طهر جلده بالدباغ طهر جلده ولحمه بالتذكية . قيل : يشترط عند علمائنا أن تكون الذكاة بين اللبة واللحيين من أهلها يعني المسلم أو الذمي ذبحا مقرونا بالتسمية . ( 17 ) قوله : ونزح البئر . أقول : قد يكون نزح البئر مطهرا للبئر وما في البئر إذا لم يمكن إخراجه ، كما في البزازية : عظم نجس وقع فيه وتعذر إخراجه يجعل الكل كغسل العظم ( انتهى ) .

وعلى هذا فقولهم : لا يفيد نزح البئر قبل إخراج ما وقع فيها ، محله إذا أمكن إخراجه . ( 18 ) قوله : ودخول الماء من جانب إلخ . في الولوالجية : الحوض الصغير إذا صار نجسا فدخل الماء من جانب وخرج من جانب آخر يطهر ، وإن لم يخرج بمثل ما فيه لأن الماء الجاري لما اتصل وخرج صار في حكم الجاري والماء الجاري طاهر إلا أن تستبين فيه النجاسة ، وقيد بالخروج لأن الحوض إذا كان عشرا في عشر فعلا ماؤه ووقعت فيه النجاسة ثم دخل فيه الماء فامتلأ ولم يخرج منه شيء لا يطهر لأنه كلما دخل فيه الماء تنجس

التالي السابق


الخدمات العلمية