الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
[ ص: 102 ] ليس لنا عبادة شرعت من عهد آدم عليه السلام إلى الآن ثم تستمر في الجنة 8 - إلا الإيمان ، والنكاح


[ ص: 102 ] قوله : ليس لنا عبادة شرعت من عهد آدم عليه السلام إلخ . قال ابن الخطيب في تفسير سورة السجدة : واعلم أن التكاليف يوم القيامة وإن ارتفعت ، لكن الذكر والشكر لا يرتفع بل العبد يعبد ربه في الجنة أكثر مما يعبده في الدنيا وكيف لا وقد صار حاله كحال الملائكة الذين قال الله تعالى في حقهم { يسبحون الليل والنهار لا يفترون } عن عبادته . غاية ما في الباب ، أن العبادة ليست عليهم بتكاليف بل هي مقتضى الطبع من جملة الأسباب الموجبة لدوام نعيم الجنة ، وهذا كيف ولخدمة الملوك لذة وشرف فلا تترك وإن قرب منه ، بل تزداد لذتها . ( 8 ) قوله : إلا الإيمان والنكاح إلخ . الظاهر أن المراد بالنكاح هنا الوطء لا العقد ، وإن كان حقيقة في العقد عندك ، قال البغوي في تفسير قوله عز وجل { وزوجناهم بحور عين } أي قربناهم بهن ليس من عقد التزويج ، لأنه لا يقال : زوجته بامرأة ، وقال أبو عبيدة : جعلناهم أزواجا كما يزوج النعل بالنعل ، أي جعلناهم اثنين باثنين . بقي أن يقال : إن النكاح بمعنى الوطء إنما كان عبادة في الدنيا باعتبار قصد التناسل المطلوب شرعا ، وذلك مفقود في الآخرة فليحرز .

وقد سئل الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري عن الرجل السعيد ، في دنياه يتمنى الولد ولا يتمناه في الجنة . فقال تمنى الناس أولادا في الدنيا لحبهم فيها حتى إذا انقرضوا تبقى لهم نعيمهم ببقاء الولد ، وقد أمنوا الانقراض في الجنة . كذا في الطبقات التاجية . هذا وقد رفع سؤال للعلامة محمد بن أبي شريف الشافعي . صورته : هل في الجنة تزوج وولادة كحال الدنيا ، أم حال الآخرة خلاف حال الدنيا ؟ فأجاب : قد وقع خلاف من السلف في الولد ، فقال بعضهم : يكون الوضع والحمل والسن في ساعة واحدة . واستندوا في ذلك إلى ما رواه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري : { المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة كما يشتهي } . قال [ ص: 103 ] الترمذي : حديث حسن غريب . وقال بعضهم يكون جماع ولا يكون ولد . واستندوا في ذلك إلى حديث في التذكرة أورده عن أبي ذر بن العقيلي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : { إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد } . والحديث الأول أولى لتحسين الترمذي له . وأما التزوج فلم أر حين هذه الكتابة حديثا مصرحا بعقد النكاح في الجنة كهيئة الدنيا ، نعم . روى الطبراني في الكبير والأوسط عن أم سلمة ولفظه : { قلت : يا رسول الله المرأة تتزوج الزوجين والثلاثة والأربعة في الدنيا . ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها من يكون زوجا منهم . قال صلى الله تعالى عليه وسلم : يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم خلقا ، فتقول : يا رب إن هذا كان أحسنهم معي خلقا فزوجنيه ، يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة } ففي قول المرأة المخيرة بين أزواجها في خطابها لربها فزوجنيه ، أي : اجعله لي زوجا وليس مصرحا بالعقد

التالي السابق


الخدمات العلمية